الشلل الرقمي لا يضر المواطن فقط بل يعطل حركة الأموال بين الأفراد والمؤسسات والتجار
وجود بدائل متعددة ومستقرة سيُطمئن المستخدمين وسيسهم في تسريع وتيرة المدفوعات الإلكترونية
كتب : محمد عصام
يعاني الكثير من المواطنين، في عدد من المحافظات خاصة القرى، من مشكلات تقنية تتلخص في "السيستم وقع"، ذلك الأمر الذي خلق بداخل الكثيرين معاناة الذهاب لإتمام بعض الأوراق أو تنفيذ بعض الخدمات المالية فى بعض البنوك، والذي تسبب في اقتناع البعض بأن الذهاب لإتمام خدمة مالية قد يستدعي يوما كاملا من الانتظار، بداية من الحصول على وصل الرقم الخاص به وصولا إلى الهرولة بين الشبابيك للحصول على خدمة بسيطة.
وتسببت المشكلات التقنية المتكررة في بعض البنوك، في هز ثقة المواطن، وتخوفه من إتمام أي خدمة مالية، لأنه يرى بعينه ما يحدث من تسلسل روتيني وتقليدي للتمكن من الحصول على خدمة في بعض البنوك، كما يفر بعض العملاء هربا من بنكٍ لآخر، لتفادي مشكلات السيستم وقع، ولتوفير الوقت والجهد والإجراءات الروتينية.
ومن هنا بدأت البنوك في وضع حلول عاجلة، لتفادي تلك الأزمات التي تكاد أن تكون متكررة بشكل يومي، بعد استياء الكثيرين، وعزوف البعض من التعامل مع البنوك التي تعاني من المشكلات التقنية بشكل مستمر، خوفا على ثقة العميل المصري، ورغبة في التطوير والتقدم لاستقطاب أكبر عدد ممكن من العملاء الجدد.
عمل تطبيقات هاتفية
وتعليقا على ذلك، قال الخبير المصرفي الدكتور عز الدين حسانين، إن البنوك الحكومية والخاصة العاملة في السوق المصرفية المصرية، تواصل جهودها في استخدام أحدث التكنولوجيات التي تساعد على تسهيل إتمام خدمات العميل، مع عمل تطبيقات هاتفية، لتمكين العمل من الحصول على بعض الخدمات عن طريق الجهاز المحمول.
وحذر الخبير المصرفي الدكتور عز الدين حسانين، في تصريح لـ "عالم رقمي"، من التداعيات الخطيرة لتعطل خدمات التكنولوجيا المالية داخل القطاع المصرفي، مؤكدًا أن توقف الإمداد من أهم شريان نقدي يعتمد عليه الاقتصاد الرقمي أصبح بمثابة "شلل رقمي" يصيب منظومة التكنولوجيا المالية بالكامل.
وأوضح حسانين أن المواطن البنكي بات يعتمد بشكل شبه كامل على الخدمات الرقمية في معاملاته اليومية، سواء عبر المحافظ الإلكترونية، أو ماكينات الصراف الآلي، أو نقاط البيع المنتشرة لدى التجار، وهو ما يجعل أي انقطاع مفاجئ في هذه الخدمات سواء في تطبيقات الهواتف، أو ماكينات ATM، أو أنظمة الدفع الإلكتروني، بمثابة صدمة للمواطن والاقتصاد على حد سواء.
وأشار إلى أن تكرار هذه الأعطال، لأسباب تقنية أو تشغيلية، لا يقتصر على ضياع الوقت أو تعطل معاملات مالية، بل يمتد ليضرب ثقة المواطن في المنظومة الرقمية ويطرح تساؤلات جوهرية حول جاهزية القطاع المصرفي وقدرته على ضمان استمرارية الخدمة.
حزمة تشريعات وضوابط لحمايتها من الاختراق
وأكد الخبير المصرفي أن البنك المركزي والقطاع المصرفي ضخّا استثمارات ضخمة بالمليارات لتطوير الخدمات المالية الرقمية، وإعداد حزمة تشريعات وضوابط لحمايتها من الاختراق، بهدف تعزيز التحول نحو مجتمع "اللاكاش" وتقليل تداول النقد بين المواطنين، غير أن الأعطال الأخيرة تستوجب إعادة تقييم هذه المنظومة وضمان استدامتها.
كما أضاف أن استمرار هذه المشكلات سيُبطئ من وتيرة التحول نحو المدفوعات الرقمية، إذ يشعر المواطن في لحظات الأعطال بأن "الكاش" هو الملاذ الأكثر أمانًا، رغم أن الدولة تستهدف رفع نسبة التعاملات الإلكترونية إلى 60–70% بحلول عام 2030.
ولفت إلى وجود بدائل يمكن أن تسهم في تعزيز استقرار الخدمة، من بينها المحافظ المالية التابعة لشركات مرخصة من البنك المركزي وهيئة الرقابة المالية، إضافة إلى بطاقات الدفع التي توفرها شركات غير مصرفية، مؤكدًا في الوقت نفسه أن ذلك لا يُغني عن ضرورة اتخاذ البنوك إجراءات تضمن استمرارية الخدمة دون انقطاع.
فيما أكد على أن الشلل الرقمي لا يضر المواطن فقط، بل يعطل حركة الأموال بين الأفراد والمؤسسات والتجار، ويؤثر بشكل مباشر على دورة الاقتصاد الوطني، ما يستوجب إعطاء ملف استدامة البنية التكنولوجية أولوية قصوى خلال المرحلة المقبلة.
تعطل الخدمات المالية الإلكترونية
من جانبه، حذر خبير أمن المعلومات محمود فرج، من التأثيرات السلبية لتعطل الخدمات المالية الإلكترونية في بعض البنوك خلال الفترات الأخيرة، مؤكدا أن الانقطاع المفاجئ للخدمات الرقمية ينعكس مباشرة على ثقة المواطن في المنظومة المصرفية، ويبطئ من جهود الدولة لتعزيز المدفوعات الرقمية والتحول نحو اقتصاد أقل اعتمادًا على النقد.
وقال خبير أمن المعلومات، في تصريح لـ "عالم رقمي"، إن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا المالية جعل أي توقف في خدمات البنوك سواء في تطبيقات الهواتف الذكية، أو خدمات التحويل اللحظي، أو ماكينات الصراف الآلي وPOS بمثابة "نقطة ضعف حرجة" تؤثر على المواطن والتاجر والدولة في آن واحد، مشدداً على أن تكرار الأعطال يطرح تساؤلات حول جاهزية البنية التكنولوجية وقدرتها على التعامل مع الضغوط التشغيلية.
وأوضح أن المواطن الذي أصبح معتادًا على التعاملات الإلكترونية يتأثر نفسيًا وعمليًا عند حدوث أي تعطل، ما يدفعه للعودة إلى الاحتفاظ بالنقد الورقي كضمان بديل، وهو ما يتعارض مع أهداف الدولة في زيادة نسبة المدفوعات الرقمية وتقليل تداول "الكاش".
وشدد فرج على ضرورة تعزيز منظومة الحماية والتشغيل داخل البنوك، بما يشمل رفع القدرة الاستيعابية للأنظمة، وتطوير خطط استمرارية الأعمال، وزيادة الاستثمار في البنية التحتية السحابية والأمن السيبراني، حتى لا تتكرر هذه الانقطاعات التي وصفها بأنها تهدد العمود الفقري للاقتصاد الرقمي.
فيما أكد خبير أمن المعلومات، أن بناء الثقة الرقمية للمواطن هي حجر الأساس لنجاح التحول نحو مجتمع لا نقدي، مشيرًا إلى أن وجود بدائل متعددة ومستقرة سيُطمئن المستخدمين وسيسهم في تسريع وتيرة المدفوعات الإلكترونية، بدلًا من تراجع الثقة عند كل عطل تقني.
هيكلة البنية التحتية
بينما أكد خبير أمن المعلومات الدكتور عمرو صبحي، أن تكرار تعطل الخدمات المالية في بعض البنوك خلال الفترات الأخيرة يفرض ضرورة عاجلة لإعادة هيكلة البنية التكنولوجية داخل القطاع المصرفي، مشددًا على أن تقليل هذه الأعطال لم يعد أمرًا تشغيليًا فحسب، بل أصبح جزءًا من أمن اقتصادي يتطلب تخطيطًا واستثمارات مستمرة.
وقال الدكتور عمرو صبحي، في تصريح لـ "عالم رقمي"، إن اعتماد المواطنين المتزايد على الخدمات الرقمية من التحويلات اللحظية، والمحافظ الإلكترونية، وماكينات الـATM، ونقاط البيع يجعل أي توقف مفاجئ للخدمات مؤثرًا على العملاء والتجار والمؤسسات، ويُضعف الثقة في المنظومة المالية، ويبطئ من تحول الدولة نحو مجتمع أقل اعتمادًا على النقد وأشار إلى أن تقليل الأعطال يحتاج إلى نهج شامل يبدأ من البنية الأساسية للأنظمة المصرفية وصولًا إلى خطط الاستجابة للطوارئ.
وحدد الدكتور عمرو صبحي خمسة محاور رئيسية يجب أن تعمل عليها البنوك لتقليل فترات التوقف وضمان استمرارية الخدمة مع تحديث البنية التكنولوجية القديمة حيث أن الأعطال تنشأ بسبب الأنظمة القديمة التي لم تعد قادرة على استيعاب حجم المعاملات الحالي، مؤكدًا أن تحديث هذه الأنظمة أو نقل أجزاء منها إلى بيئات سحابية عالية الاعتمادية يساهم في تقليل الأعطال بنسبة كبيرة.
كما أكد صبحي، على ضرورة بناء أنظمة احتياطية تعمل دون تدخل بشري، مع ضرورة وجود خوادم احتياطية تعمل تلقائيًا عند تعطل النظام الرئيسي هو الضمان الأول لاستمرارية الخدمة، مؤكدًا أن بعض البنوك ما زالت تعتمد على أنظمة بديلة تحتاج وقتًا طويلًا للتشغيل، وهو ما يؤدي إلى توقف الخدمة لمدد طويلة.
وأشار خبير أمن المعلومات، إلى اختبار الضغط والتحميل بشكل دوري، حيث أن البنوك تحتاج لإجراء اختبارات تحميل شهرية تُحاكي ذروة الاستخدام، خاصة خلال الرواتب والعطلات، لضمان قدرة أنظمتها على التعامل مع الزيادات المفاجئة في عدد المعاملات دون انهيار، مع تعزيز الأمن السيبراني لمنع الهجمات المعطّلة للخدمات مشددًا على أهمية تحديث أنظمة الحماية، وتدريب فرق تقنية متخصصة، ووضع خطط استجابة فورية لأي هجوم قد يؤثر على استمرارية الخدمات.
وأوضح صبحي أن مراقبة الأنظمة بشكل مستمر باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي تمنح البنوك القدرة على اكتشاف المشكلات قبل وقوعها، والتدخل السريع لمعالجتها قبل أن يشعر بها العميل.
وأضاف أن تقليل الأعطال لا يرتبط فقط بالجوانب التقنية، بل يستلزم أيضًا الحفاظ على الشفافية مع المواطنين عبر توضيح أسباب الانقطاعات وتوقيت العودة للعمل، مؤكدًا أن التواصل الفعّال يحافظ على ثقة العملاء ويمنع انتشار الشائعات.
وأشار إلى أن البنوك تمتلك القدرة على القضاء على معظم حالات التعطل إذا التزمت بخطط تطوير حقيقية، معتبرًا أن استمرارية الخدمات المالية ليست رفاهية، بل عنصرًا أساسيًا في دعم الاقتصاد، وتشجيع المواطنين على الاعتماد الكامل على المدفوعات الرقمية.
.








