بقلم :ايمن صلاح
تضع الاتحادات القارية لكرة القدم لوائحها ومعاييرها التى تلزم جميع الفرق المشاركة فى مسابقاتها سواء المنتخبات او الأندية باتباعها، وتعتبر هذه اللوائح والمعايير هى الفيصل فى أى نزاع قد ينشأ بين الدول أو الأندية لضمان تحقيق العدالة والجدارة الرياضية دونما تحيز لطرف على حساب آخر، وفى عام 1994 وضع الاتحاد الأفريقى لكرة القدم معايير تحديد بطل أو نادى القرن الأفريقى على أسس منطقية وموضوعية قبل نهاية القرن بستة أعوام أى قبل انتهاء المنافسة على اللقب بفترة زمنية ليست بالقصيرة حيث ينتفى معها أى شبهة تواطؤ أو انحياز خاصة وأن الاتحاد الأفريقى لكرة القدم قد استمد تلك الأسس والمعايير من الاتحاد الأوروبى لكرة القدم الذى سبق الاتحاد الأفريقى فى هذا المجال بسنوات. وحيث أن لقب نادى القرن يحتم اختياره على معيار الجدارة الرياضية فقد تم وضع أسسه بناءا على حضور النادى المستمر وكفاءته الدائمة فى الوصول الى الأدوار النهائية من المسابقات الأفريقية للأندية، وعليه فقد تم حسم الاختيار بناءا على عدد النقاط التى يستطيع النادى تجميعها من مشاركاته على مدار القرن بحيث يكون لكل دور من أدوار الترقى فى المسابقات نقاط محددة تضاف الى رصيد أى نادى حال تخطيه لذلك الدور، فلدور الثمانية عدد من النقاط ولدور الأربعة عدد أكبر وللوصيف عدد أعلى من النقاط وهكذا حتى الفوز بالبطولة. وفى واقع الأمر أن هذا النظام هو أكثر النظم عدالة وتحقيقا لمبدأ الجدارة الرياضية حيث أننا على سبيل المثال لا يمكننا أن نسوى بين نادى فاز ببطولة أفريقية ما فى طفرة من الطفرات لمدة خمس سنوات ثم اختفى تماما من الساحة الكروية، وناد آخر ظل ينافس على نفس البطولة بالوصول الى الأدوار النهائية منها على مدار خمسين سنة بينما لم يستطع التتويج بالبطولة الا فى أربع مناسبات مثلا، وهنا لن يكون من العدالة بمكان أن نختار ذلك النادى الذى اختفى من الساحة الكروية الأفريقية كنادى للقرن بحجة أن متوج بعدد من البطولات أكبر من ذلك النادى الذى صنع تاريخا واسما وشعبية وجدارة رياضية بالوصول الدائم الى الأدوار النهائية من البطولة على مدار مواسم طويلة.
وفى القرن العشرين استطاع النادى الأهلى اقتناص لقب (نادى القرن الأفريقى) كأعظم عظماء أفريقيا تطبيقا للأسس والمعايير الموضوعة من قبل الاتحاد الأفريقى لكرة القدم التى تحقق مبادىء الجدارة الرياضية واللعب النظيف والعدالة. فوز النادى الأهلى باللقب لم يكن اقتناصا سهلا بل كان محفوفا بكثير من المعوقات والتحديات وكان أبرزها على الاطلاق هى ابتعاد النادى الأهلى عن المنافسات الأفريقية بالكامل ولمدة ثلاث سنوات متصلة بداية من عام 1994 بعدما أعلن النادى الأهلى عدم مشاركته فى البطولات الأفريقية وانسحابه منها عقب العقوبات التى طالته ظلما بعد مباراة الأهلى والزمالك فى السوبر الأفريقي فى جوهانسبرج مما أدى الى فرض الاتحاد الأفريقى عقوبة الاستبعاد لمدة ثلاث سنوات على النادى الأهلى، تلك المباراة التى خسرها الأهلى بفعل فاعل والفاعل هنا هو الحكم (باتريس ماتابيلا) الذى أهدى الزمالك البطولة على طبق من ذهب بعدما اتخذ قرارات فى المباراة لا تمت لقانون كرة القدم بصلة ولكنها تتسق مع الأموال التى حصل عليها لكى تخرج المباراة بالشكل الذى شاهده الجميع، هذا الحكم تم بعد واقعة مباراة الأهلى والزمالك فى السوبر الأفريقى بسنوات ايداعه السجن بتهمة الرشوة، هذا الأمر ربما يفتح الحديث عن بعض المصطلحات غير الرياضية التى يرددها بعض الاعلاميين والمسئولين الرياضيين بما يسمى البطولات الحلال والبطولات الحرام، وهى مصطلحات لا يجب ترديدها فى الرياضة وانما هى تستخدم لتضليل جماهيرهم والتشكيك فى بطولات الآخر وأيضا لتشتيت الأذهان عن الفشل والسقوط الذى دائما ما يلاحقهم.
منذ اقتناص الأهلى للقب (نادى القرن الأفريقى) أى منذ عشرين عاما لم تصمت أبواقا اعلامية ولا ألسنة حاقدة عن التشكيك فى اللقب الأفريقى للأهلى بل انها تنادى بأحقية الزمالك فى اللقب كونه حاصلا على عدد أكبر من البطولات فى القرن الماضى ضاربين بمبادىء العدالة والجدارة الرياضية واللوائح والمعايير عرض الحائط، بل ان الأمر تخطى هذا الحد الى اتهام مسئولى الاتحاد الأفريقى بالتواطؤ والانحياز للنادى الأهلى وهو أمر غير مستغرب فهى عادتهم منذ قديم الأزل باتهام الجميع بمحاباة الأهلى وظلم الزمالك سواء كان ذلك اتحاد الكرة المصرى أو الحكام او الدولة أو حتى الفيفا، فظلوا يكذبون حتى صدقوا أنفسهم وعاشوا فى بوتقة المظلومية التى لن يستطيعوا أن يخرجوا منها أبدا، ثم وصل بهم الأمر الى منح أنفسهم لقبا من وحى أوهامهم وهو (نادى القرن الحقيقى) وكأننا نعيش مع بطل حقيقى وآخر مزيف، وان كان ذلك مقبولا من تلك العقول التى فقدت من وحى أحقادهم وكرههم المنطق والموضوعية. أما الجديد فى الأمر فهو اتخاذ ادارة نادى الزمالك منذ يومين قرارا بتشكيل لجنة لدراسة الوضع القانونى لموقف الزمالك من هذه القضية ومن ثم رفع شكوى رسمية الى المحكمة الرياضية الدولية تطالب بسحب اللقب الأفريقى من الأهلى ومنحه للزمالك، ورغم أن هذه الخطوة قد جاءت متأخرة لمدة عشرين سنة الا أننى أرى أنها الخطوة الايجابية الأولى من نادى الزمالك فى هذا الاطار حتى يغلق هذا الباب تماما، وان كنت أنا شخصيا فى تحد مع النفس بأن ادارة نادى الزمالك لن تجرؤ على الاقدام على هذه الخطوة لأن الفصل فيها من قبل المحكمة الرياضية لصالح الأهلى والاتحاد الأفريقى امر مؤكد بل وبديهى أيضا، وبالتالى سيفقد مسئولو الزمالك الى الأبد لقبهم الوهمى الذى منحوه لأنفسهم وهو (نادى القرن الحقيقى) كما أنهم سيفقدون عصا موسى التى يستخدمونها عقب كل اخفاق للتشويش وتشتيت الانتباه عن اخفاقاتهم المتتالية باستخدام الخوض الدائم فى هذه القضية المفتعلة، وانى أدعو جماهير الزمالك البريئة والمخلصة لنادى الزمالك العريق ألا ينحدروا وراء دعاوى ادارة ناديهم أو أبواقهم الاعلامية الزائفة حتى لا تتوالى عليهم صدمات جديدة كان السابق فيها نفس الادارات الفاشلة والأبواق الاعلامية الكاذبة، ولكى تستبين الحقيقة .... عليهم أن ينظروا كيف منح الاتحاد الأوروبى لكرة القدم نادى ريال مدريد لقب نادى القرن الأوروبى تطبيقا لنفس المعايير الذى استخدمها الاتحاد الأفريقى رغم حصول نادى (ايه سى ميلان) على عدد من البطولات الأوروبية أكثر من ريال مدريد بفارق بطولة واحدة، ولم نسمع يوما اعتراضا أو تشكيكا من نادى (ايه سى ميلان) احتراما منهم للوائح ومعايير الجدارة الرياضية.
انتهى القرن العشرين وحصل النادى الأهلى على لقب (نادى القرن) فى أفريقيا بفارق نقطة واحدة عن نادى الزمالك صاحب المركز الثانى، وبدأ القرن الواحد والعشرون ومر منه عشرون سنة ظل بعدهم الأهلى متربعا على قمة أفريقيا برصيد (70 نقطة) بينما تقهقر الزمالك الى المركز السادس برصيد (28 نقطة)، والفارق هنا لم يصبح فارق نقاط فقط بل أصبح فارق ثقافات كبير بين نادى احترف ثقافة الفوز وتخطى الصعاب والنظر الدائم الى المستقبل لتحقيق الانجازات، وآخر اعتنق ثقافة الهزيمة وعدم الاعنراف بالواقع والتشكيك الدائم فى نجاحات الآخرين والنظر الدائم الى الخلف حتى سقط فى مستنقع المظلومية والخسائر.