بقلم ايمن صلاح
خلق الله سبحانه وتعالى الانسان وجعله شاهدا على اعجازه جل فى علاه بهذا الخلق، ولم يكن اعجازه سبحانه قاصرا فى خلق الانسان على هيئته وشكله وحواسه ولكن اعجازه تعالى تخطى ذلك بكينونة الانسان مكتملة التى تشمل صفاته وقدراته والتى هى حتما تختلف من انسان الى آخر، ويعيش أغلب البشر دنياهم حتى مماتهم دون أن يكتشفوا تلك القدرات والصفات منغمسين فى الحياة المادية الفانية دونما شعور بما حباهم الله من نعم وآلاء تتعدى حياتهم المادية الى تلك الحياة الروحانية المليئة بالأسرار والنورانية، تلك الحياة التى لا تستطيع نفس الوصول اليها الا بصفائها ونقائها وخلوها من أمراض القلوب كالأحقاد والكراهية والحسد والغل وما شابه.
ان الاسهاب فى الحديث عن قدرات النفس البشرية التى خلقها الله سبحانه وتعالى قد يقودنا الى ما يسمى "علم الميتافيزيقا" وهو ذلك العلم الذى يبحث فيما وراء الطبيعة من أحداث ربما لا يجد لها العقل البشرى تفسيرا بالمقاييس والنظريات الدنيوية الحسية، وهذا جزء من عالم آخر تحكمه نظريات أخرى ومنطق آخر خلقه الله سبحانه وتعالى ولا يدركه الا أصحاب النفوس السامية الطاهرة حيث تتسامى هذه النفوس فى لحظات وأوقات معينة فوق المادة لتدرك ما يحدث فى عالم آخر هو عالم ما وراء الطبيعة، وربما تكون ظاهرة التخاطر هى احدى مظاهر ذلك العالم النورانى الخفى، ولكن ما هو التخاطر؟!
التخاطر كظاهرة هو اختراق للزمان والمكان بانتقال أفكار شخص ما الى شخص آخر دونما تواجد أو حديث متبادل أى أنها عملية حسية بحتة لا تخضع لقانون الطبيعة ولكنها تخضع لقوانين الميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة التى لا يعلم أسرارها وخباياها حتى الآن سوى الله سبحانه وتعالى، وهذا ما يفسر أحيانا شعور أحد منا بشخص آخر ربما يبعد عنه آلاف الأميال ويدرك من خلال هذا الاحساس أنه فى محنة أو ضائقة أو فرحة وسرور، بل أننا ربما نشعر بحدوث أمر ما لشخص أو جماعة قبل حدوث ذلك الأمر بزمان ربما يطول أو يقصر، ان هذه الحواس الغيبية تندرج بشكل أو بآخر تحت نفس مسمى "التخاطر"، ولعل من أهم الأمثلة التاريخية على ظاهرة "التخاطر" هو ذلك الحدث عندما كان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يخطب على المنبر خطبة الجمعة فى المدينة فالتفت فجأة أثناء خطبته ونادى بأعلى صوته "يا سارية ... الجبل الجبل" فلما سئل عن تفسير ذلك قال "وقع فى خلدى أن المشركين هزموا اخواننا وركبوا أكتافهم وأنهم يمرون بجبل فان عدلوا اليه قاتلوا من وجدوه وظفروا وان جاوزوه هلكوا فخرج منى هذا الكلام" ثم قال الراوى للحديث "جاء البشير بعد شهر فذكر أنهم سمعوا فى ذلك اليوم وفى تلك الساعة صوتا يشبه صوت عمر بن الخطاب يقول يا سارية الجبل الجبل فعدلنا اليه ففتح الله علينا".
وعلى الرغم من كون ظاهرة التخاطر ليست علما معتمدا فى الوقت الحالى، الا أن هناك علماء وباحثون يدرسون ما يسمى "السيكولوجية غير الطبيعية"، ويجزم بعض هؤلاء الباحثين بأن ظاهرة التخاطر هى ظاهرة علمية وصحيحة ويؤكدون أن الانسان يعيش فعليا فى عالمين أولهما معروف وهو العالم المادى وهو الذى تهيمن عليه الادراكات الحسية كالسمع والبصر والتذوق واللمس والشم وهو ما يعرف بالحواس الخمس، بينما ثانيهما يعرف بالعالم اللامادى (الميتافيزيقى) والذى يحلو لبعض العلماء تسميته بعالم اللاوعى والذى تهيمن عليه أبجديات غير معروفة أو مفهومة حتى الآن ويتخبط العلماء فى فك رموزها وهذا العالم تتجلى فيه جميع الظواهر الروحية والقدرات غير الحسية، وكلا العالمين يعيشان جنب الى جنب فى حياة الانسان، ويطغى بعضها على بعض طبقا لطبيعة الشخص ومقدرته الروحية والحسية وصفاء ونقاء نفسه وبصيرته.
سيظل ذلك العالم اللامادى عالما خفيا فى حياة البشر حتى وان تكشفت بعضا من أسراره على مدار الزمان وسيظل لغزا يبحث العلماء والباحثون عن فك رموزه حاضرا ومستقبلا، قال الله تعالى فى كتابه الحكيم "سنريهم آياتنا فى الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد".