بقلم : ايمن صلاح
وضع الله سبحانه وتعالى النواميس الكونية وكان أساسُها أن يعلوَ الحق وأن تكون قواعد العدالة أبديةً حتى وإن طفا الظلم لبرهةٍ فإن نهايته تكون دائماً وأبداً حتمية، وهكذا تسير
أمور الدنيا طبقاً لتلك النواميس الإلهية وطبائع الأمور الكونية المنطقية، فإن اختلت تلك القواعد اختلت معها موازين الحياة وتحولت الدنيا من منهجٍ قانونى يحكم جميع البشر الى نمطٍ آخر يحكمه قانون الغاب الذى يأكل فيه القوىُ الضعيف ويعلو فيه صاحبُ السلطة والجاه على
السواد الأعظم من البسطاء، وما نراه اليوم من أعلى سلطةٍ تشريعيةٍ فى البلاد ألا وهو مجلس النواب ليس إلا صورةً من صور ترسيخِ مفهوم قانون الغاب والبعد عن قواعدِ الحقِ والعدالةِ والمساواةِ التى يجب أن تقومَ على أُسُسِها الأمم، وليس بغائبٍ عن الأذهان فلسفة عمل مجلس
النواب الذى أُنشىء بالأساس من أجل إقرار الحقوق المجتمعية من خلال تشريع القوانين التى تُسيِّر دولاب العمل الحكومى وتحفظ للمواطن حقوقَه السياسية والإجتماعية، كما أنه من صميمِ عمل مجلس النواب حماية كل طوائف الشعب من تغول الأداء الحكومى بجميع صوره بما قد يؤدى
الى الإضرار بمصالح المواطن فى عمله أو مجتمعه، ومن أجل تلك الوظائف البرلمانية شُرِّعت الحصانة لنائب البرلمان حتى يستطيعَ القيام بعملِه من تشريعٍ للقوانين والرقابة على الأداء الحكومى دونما افتئاتٍ أو تجاوزاتٍ من الجهات الحكومية المختلفة
عليه، ثم إذا بنا نجد أن فلسفة العمل البرلمانى فى مصر اليوم تحيدُ عن الصوابِ وتتحولُ الحصانةُ من درعٍ يحمى الشعب الى سيفٍ مسلطٍ على رقاب الشعب ويتحول المجلس
الى مركزٍ من مراكز القوى وبؤرةٍ من بؤر إشعاع الظلم والجور، فبدلاً من أن يقوم المجلس بواجباته المنوط بها نجده يتعسف فى استخدام أهم حقوقه وهى الحصانة البرلمانية ويتخذها درعاً ليس لحماية الشعب ولكن للظلم والجور والتجاوز فى حق الشعب بل أنه يتعدى الحدود ويواجه
بها السلطة القضائية التى لجأ اليها العديد من المواطنين والمؤسسات الوطنية لنيل حقوقهم المهدرة من جانب أحد أعضاء المجلس الموقر فيأبى المجلس رفع الحصانة ويتحدى الشعب والمؤسسة القضائية لا لشىء إلا لحماية ذلك النائب الذى لم يدع أياً من الموبقات إلا وفعل، فلقد سب
هذا ولعن ذاك وخاض فى عرض هذا وأهان ذاك دون رادعٍ من خلق أو حياء، بل أنه تعدى ذلك بإهدار القانون والتجاوز المالى الفج فى المؤسسة الرياضية العريقة التى يترأسها مما جعل معالى النائب العام يوجه اليه العديد من التهم والمخالفات والتى يصل معظمها الى حد الجرائم المالية
التى يعاقب عليها القانون بالسجن، مما دعا معالى النائب العام الى المطالبة برفع الحصانة البرلمانية عن ذلك العضو البرلمانى الخارج على القانون ولكننا ومع الأسف الشديد نجد مجلس النواب يرفض دائماً وأبداً رفع الحصانة ويرفض معاقبة ذلك العضو على جرائمه فى حق الشعب
وفى حق الوطن وكأن ذلك المجلس يعتبر أعضاءَه المحصنين من طبقةٍ أخرى غير تلك الطبقة من مواطنى الشعب مهما علا قدرُهم ومقامُهم، لقد وصل هذا التدليل وهذه الحماية بذلك العضو الى الدرجةِ التى هدد فيها مواطنين بالقتل ولم يكن ذلك التهديد سراً ولكنه كان عياناً جهاراً،
ذاكراً مؤسستين من مؤسسات الدولة السيادية بأنهما على تواصلٍ معه وأنهما يحميانه ونربأ بتلك المؤسستين الأمنيتين أن تكونا كذلك.
اننى لا أرى هذا المجلس إلا مجلساً عنصرياً أو طبقياً لا يرى ولا يحمى إلا أعضاؤه ولا يرى ولا يحمى أبناء وطنه الذى لم يوجدْ إلا من أجلِهم، والقول بأن تجاوزات هذا العضو إنما
هو عمل أو تجاوز فردى هو قول مردود عليه، فكم من عضوٍ برلمانىٍ زميل أفسح منصته الإعلامية المرئية لظهور ذلك العضو على شاشاته ليهينَ المواطنين والآباء والأمهات ويشنف آذاننا كل ليلة بكل ما لذ وطاب من الشتائم والسباب، وكم من طلبٍ لرفع الحصانة رفضه رئيس المجلس، حتى
هؤلاء النواب الصامتين عن الحق مسئولون أمام الشعب والصامت عن الحق كالشيطان الأخرس.
لقد سقط هذا المجلس ولم يعد مجلساً شرعياً لانتفاء قيامه بأعماله الدستورية والقانونية، وإن كانت الإطاحة بهذا المجلس يُعد أمراً شبه مستحيل قانوناً فى الوقت الحالى إلا أن
الدورة البرلمانية قد أشرفت على الإنتهاء وعلى كل مواطن منا دور وطنى وجب عليه القيام به خلال الإنتخابات البرلمانية القادمة وهى النزول الى صناديق الاقتراع بكثافة ليس فقط لإختيار نوابٍ جدد ولكن بهدف رئيسى وهو إسقاط كل أعضاء المجلس الحالى الذين فشلوا فشلاً ذريعاً
فى تطبيق شريعة الله التى خلق الله الدنيا عليها وهى تطبيق العدالة وإقرار الحق وتحقيق المساواة.
الحق يعلو ولا يُعلى عليه ................