بقلم :ايمن صلاح
مع اقتراب الاعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية تتصاعد فى المنطقة العربية بعض الأصوات التى تتمنى وصول الحزب الديمقراطى متمثلا فى (جو بايدن) الى سدة الحكم بينما تتمنى أخرى استمرار الحزب الجمهورى متمثلا فى (دونالد ترامب) على رأس الحكم الأمريكى، وربما كان هذا الأمر مستمرا منذ عشرات السنين مع كل انتخابات رئاسية أمريكية اعتقادا وأملا من البعض بتغير السياسة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط المناصرة لاسرائيل وما يخدم مصالحها فى المنطقة والمعادية للعرب والقضية الفلسطينية، ومع تغير الرؤساء الأمريكيين فى العقود السابقة لم يطرأ أى تغيير يذكر على السياسة الأمريكية فى المنطقة وتبخرت فى ذات الوقت كل الآمال العربية فى احداث هذا التغير، وعلى الرغم من ذلك فاننا لازلنا نلحظ الاهتمام فى الشارع العربى بالرئيس الأمريكى القادم، اهتمام قائم على ذلك الأمل البائس الذى لم ولن يتحقق أبدا وذلك لأسباب موضوعية سوف نتطرق اليها فى قادم السطور.
بداية وربما لأول مرة يوجد تباين فى رغبات العالم العربى فيما يخص الرئيس الأمريكى القادم بين الشارع العربى من جهة والأنظمة العربية من جهة أخرى وخاصة تلك التى عقدت تحالفات قوية مع الرئيس الحالى (دونالد ترامب) خلال فترة رئاسته الأولى، وقد أظهرت استطلاعات الرأى فى الشارع العربى والتى أجرتها مؤسسة (يوجوف) البريطانية أن النسبة الأكبر من العرب يفضلون فوز المرشح الديمقراطى (جو بايدن) على نظيره الجمهورى (دونالد ترامب) وكان هذا الاستطلاع قد شمل ثمانى عشرة دولة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وانتهى الى أن 39% ممن شملهم استطلاع الرأى يفضلون فوز (بايدن) بينما فضل 12% فقط فوز (ترامب)، وكانت الغالبية المتمثلة فى نسبة 49% ممن شملهم استطلاع الرأى هم الأكثر وعيا وادراكا للسياسة الأمريكية الخارجية حيث رأوا أنه لن يكون هناك أى فارق فى سياسة أمريكا فى المنطقة أيا كان الرئيس المنتخب القادم، وبالرغم من ذلك ونتيجة لهذا الاستطلاع للرأى فقد علقت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن مؤسسة (يوجوف) بأنه لو كان العالم العربى يختار الرئيس الأمريكى المقبل لفاز بايدن بأغلبية ساحقة، وربما يكون ذلك لبعض الاجراءات التى اتخذها (ترامب) فى فترة حكمه الأولى والتى رآها الشارع العربى أنها اجراءات سلبية ومنها على سبيل المثال لا الحصر قراره بنقل السفارة الأمريكية فى اسرائيل الى القدس ودعمه لضم مرتفعات الجولان السورية الى اسرائيل وغيرها من اجراءات لم يرض عنها الشارع العربى.
نعود الى عالمنا العربى والى الأسباب الموضوعية التى تجعل أى رئيس أمريكى حالى أو قادم لا يمكنه تحويل دفة السياسة الأمريكية فى المنطقة مهما كانت ميوله أو اتجاهاته السياسية سواء كان ذلك الرئيس ديمقراطيا أو جمهوريا، وببساطة شديدة وتحليل بسيط فانه سوف يتبين لنا أن صناعة القرار السياسى الاستراتيجى فى أمريكا لا يتم فى البيت الأبيض منفردا، بل ان السياسة الخارجية الأمريكية تصنع باستراتيجية محددة فى عدة مراكز لصنع القرار ولا يستطيع أى رئيس أمريكى تغييرها وانما يكون مجرد واجهة لتنفيذ تلك السياسة سواءا كان راضيا عنها أو لم يرض، والسؤال الأول الذى قد يطرأ على الأذهان هو "هل من أمل فى تغيير سياسة أمريكا فى منطقة الشرق الأوسط فى أى وقت من الأوقات؟" والاجابة على هذا السؤال هى اجابة قطعية النفى لأن السياسة الأمريكية الخارجية فى منطقة الشرق الأوسط لن تتغير أبدا بمحدداتها الحالية الا فى حالة حدوث تغير استراتيجى كبير فى الداخل السياسى الأمريكى وهو أمر مستبعد فى الوقت الحالى او تغير كبير فى موازين القوى الاقليمية فى منطقة الشرق الأوسط يجبر السياسة الأمريكية الخارجية على تعديل مواقفها وتنقيح أولوياتها، أما السؤال الثانى الذى يمكن أيضا ان يجول بالخاطر هو "اذن ما هى مراكز صنع القرار السياسى الاستراتيجى الأمريكى التى تجعل الرئيس الأمريكى مجرد ممثلا لها أمام العالم لتنفيذ سياساتها الخارجية؟" والاجابة على هذا السؤال ربما تكون واضحة للعالمين ببواطن الأمور فى السياسة الأمريكية، فمراكز صنع القرار السياسى الخارجى الأمريكى متعددة وفى ذات الوقت متكاملة ومترابطة وهى وكالة المخابرات الأمريكية (CIA) والكونجرس الأمريكى ووزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) اضافة الى وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومى.
ان النظر الى الولايات المتحدة الأمريكية من قبل العرب على أنها (ماما أمريكا) والتى سيأتى اليوم المنتظر لتنصف فيه القضية العربية هو أمر يجب أن يتغير، وعلى العرب أن يعلموا أن تغيير الواقع لن يأتى الا من خلال العرب أنفسهم لا من خلال دولة أخرى مهما كان عظم تلك الدولة.