كتب : شيماء حسن
لقى الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال كلمتة مؤخرا أمام قمة شراكة مجموعة السبع وإفريقيا، والمنعقدة بالعاصمة الفرنسية باريس، جاء فيها:-
فخامة الرئيس إيمانويل ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية، السادة رؤساء وقادة الدول والحكومات، السادة رؤساء المنظمات والمؤسسات الدولية،
يسعدنى أن أشارككم اليوم، ممثلاً عن الاتحاد الإفريقى، فى فعاليات قمة مجموعة الدول السبع، تلبية للدعوة الكريمة من فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية، لأنقل لكم طموحات شعوب قارتنا، فى تحقيق السلام والتنمية المستدامة، وتطلعاتها لإرساء شراكة عادلة ومتواصلة بيننا، ترتكز على مبدأ المصلحة المشتركة، وتبنى على الجهود السابقة فى ذلك الشأن.
السيدات والسادة،
إننا نعلم جميعًا جسامة التحديات التى تواجه الدول النامية، ومن ضمنها الدول الإفريقية، فى إطار سعيها للارتقاء بمستوى معيشة شعوبها، وتحقيق التنمية المستدامة، وكذلك المعوقات أمام تحقيق تلك الأهداف، والتى تتمثل فى الأزمات الدولية والإقليمية القائمة، وتسارع أحداثها وتشابكها، فلا بديل عن تحاورنا المتواصل حولها، وإشراكنا بشكل أكثر فى معالجتها، بما يتمشى مع المصالح المشتركة والمتبادلة، وكذا مع قواعد الديمقراطية التى يجب أن تسود وتترسخ فى العلاقات الدولية. ومن هذا المنطلق، فإننا لسنا فى حاجة لاستعراض التحديات التى تواجه قارتنا الإفريقية تفصيلاً، وإنما نحتاج للعمل سويًا لإيجاد حلول لها، وفق أولويات دول القارة، واستنادًا للعلاقة العضوية، بين تحقيق التنمية بكافة أبعادها من جهة، والحفاظ على الأمن والاستقرار من جهة أخرى.
وإذا كان ما تقدم يشكل المنظور العام للتحديات التى تواجه قارتنا، فإن الوضع فى ليبيا من الجسامة والخطورة، بما يستوجب التطرق إليه بشكل خاص. إن تفاقم الأوضاع فى ليبيا وأثر ذلك على أمن واستقرار مواطنيها، بل وعلى دول الجوار، جراء التهديد الذى تشكله المنظمات الإرهابية، والسيولة الأمنية المتمثلة فى انتشار الميليشيات المسلحة، يقتضى تضافر الجهود الدولية لوضع حد لهذه الأزمة وهذا التهديد، وبما يضمن سلامة الشعب الليبى الشقيق، ويحفظ له مقدراته وموارده. إن الطريق للخروج من الأزمة فى ليبيا معروف، ولا يحتاج سوى للإرادة السياسية وإخلاص النوايا، للبدء فى عملية تسوية سياسية شاملة، تعالج كافة جوانب الأزمة، وفى القلب منها قضية استعادة الاستقرار، والقضاء على الإرهاب وفوضى الميليشيات، وإنهاء التدخلات الخارجية فى ليبيا، وضمان عدالة توزيع موارد الدولة والشفافية فى إنفاقها، واستكمال توحيد المؤسسات الليبية على النحو الوارد فى الاتفاق السياسى الليبي. واتصالا بذلك، فإن الحديث عن النهوض بإفريقيا، ينبغى أن يتأسس على إرادة جماعية، تستهدف تسوية أزمات القارة، فضلاً عن مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله، لتأثيراته المدمرة على جميع الأصعدة ، لاسيما على جهود التنمية، وهو ما يجب أن يستتبعه مساءلة حقيقية لداعميه ومموليه، جنبا إلى جنب مع الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، وكل ذلك من شأنه أن يسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار، وينأى بالشباب عن التطرف والهجرة غير الشرعية، ليتسنى التركيز على وضع آليات فعالة ، للقضاء على الفقر وخفض البطالة، ومكافحة الأمراض المتوطنة، والتصدى لظاهرة تغير المناخ.
وإذا كانت تلك التحديات تفرض علينا مسئولية التعاون لمواجهتها، فإن دولنا الإفريقية تمتلك، بنفس القدر، فرصًا واعدة وإمكانات متنوعة، تؤهلها لتكون شريكًا موثوقًا للمجتمع الدولى، فلدينا سوقًا كبيرًا وموارد بشرية غنية، وغيرها من العناصر الجاذبة، لعل أهمها جهود تطوير البنية التحتية الإفريقية، من خلال تنفيذ المشروعات القارية ومشرعات الطاقة بكافة صورها، بهدف تحقيق التكامل الإقليمى والاندماج القارى، وتتلاقى معها مساعى تحرير التجارة البينية، عبر تفعيل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وخطوات تعزيز الدور الاقتصادى للقطاع الخاص. السيدات والسادة، إن تناولنا لأسس التنمية المستدامة لن يكون مكتملاً، دون التطرق لأولويات وجهود القارة لتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وذلك إيماناً بقدرة المرأة الإفريقية على الدفع قدمًا بمسيرتنا التنموية بمختلف أركانها، ورغم ما تم إنجازه فى هذا الإطار من واقع الإرادة السياسية والمجتمعية القوية، إلا أن النتائج المأمولة لن تتأتى دون توفير البيئة المواتية، من خلال توفير التمويل المنشود، والنفاذ إلى الأسواق والتكنولوجيا الحديثة، بما يسمح بإطلاق إمكانات المرأة الإفريقية عبر التعليم، وبناء القدرات، ويمكنها من الانخراط بفعالية فى أسواق العمل على قدم المساواة مع أقرانها من الرجال، وتعزيز تواجدها فى مجال ريادة الأعمال، والأخذ بزمام المبادرة فى إقامة المشروعات. وعلى نحو مكمل لجهود تمكين المرأة، فإن التحول الرقمى يعد من أهم محفزات النمو الاقتصادى، وبناء اقتصاديات تنافسية ومتنوعة، وإقامة مجتمعات حديثة داعمة للمعرفة والابتكار وجاذبة للاستثمارات، ولذلك نعول على شركائنا فى المجموعة، ومؤسسات التمويل الدولية، لتعزيز قدرات القارة فى هذا المجال، وصولاً لحلول مبتكرة للتحديات التى تواجهنا، وفى مقدمتها البطالة، لا سيما فى ظل الزيادة المستمرة فى أعداد الشباب الإفريقى المنضم إلى سوق العمل سنوياً.
وفى سياق تكامل مقومات التنمية المستدامة، لا يفوتنى أن أتطرق إلى أهمية مكافحة ظاهرة الفساد على الصعيد الدولى، لما تسببه تلك الظاهرة من استنزاف الموارد وهدر الجهود التنموية، وتأثيرها سلباً على الكفاءة الاقتصادية وبيئة الاستثمار بشكل عام، وهو ما دفع قادة القارة لبذل جهود مكثفة لمواجهة تلك الآفة، وقد انعكس ذلك فى عقد "المنتدى الإفريقى الأول لمكافحة الفساد، الذى استضافته مدينة شرم الشيخ فى يونيو 2019، معتمدًا عددًا من التوصيات ذات الصلة على مستوى القارة، التى ينبغى أن يتم استكمالها بأطر تُلزم البنوك التجارية الدولية، بإعادة الأرصدة الناجمة عن ممارسات غير مشروعة، والمودعة لديها، إلى الدول الإفريقية، من خلال تطبيق معايير عملية وواقعية، بدلاً من اشتراط إجراءات يستحيل الوفاء بها. السيدات والسادة، مثلما توافقت القارة على وضع إطار عام يحقق تنميتها، أؤكد مجددًا على مبدأ الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية، وحيوية تعزيز بنية السلم والأمن القارية، مستثمرًا هذه المناسبة للإشارة إلى الأهمية الكبيرة لمنطقة الساحل والصحراء، والثروات والفرص المتاحة لديها،
وكذلك التحديات التى تواجهها، ومن ثم فإننى أدعو المجتمع الدولى، لدعم جميع الجهود التى تقوم بها دول الساحل والصحراء، سواء على المستوى الوطنى أو من خلال الاتحاد الإفريقى، عبر مقاربة شاملة تتعامل مع مختلف التحديات السياسية والأمنية والتنموية للمنطقة، وتعالج مسبباتها بشكل جذرى. وختامًا، وانطلاقًا من المصالح المشتركة بين قارتنا ومجموعتكم، فإننى أتطلع إلى الخروج بنتائج ملموسة، تعكس رؤيتنا المتوافق عليها لهذه الشراكة المتجددة بيننا، وبما يتكامل مع الجهد المبذول فى أطر أخرى تجمعنا، وذلك عن طريق اتخاذ خطوات جادة متسقة مع خططنا الوطنية، وأجندة 2063 التى تحمل رؤية القارة لتحقيق تنميتها المستدامة، وعلى نحو يترابط مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، ويبتعد عن أية أطروحات ترتب أعباءً إضافية لا طاقة لنا بها، أو تفرض مشروطيات سياسية.