بقلم: ايمن صلاح
لازلت أتذكر ذلك اليوم الذى كنت جالسا فيه فى أحد مطاعم فنادق القاهرة الفاخرة بصحبة مجموعة من زملاء العمل لبحث عديد من الخطط البيعية والتسويقية لتنفيذها خلال العام الجديد وكان من بين هؤلاء الزميلة والأديبة الصاعدة / ريم الأنصارى التى كانت تعمل حينها باحدى شركات تكنولوجيا المعلومات العالمية قبل أن تعتزل العمل فى ذلك المجال وتحترف العمل الأدبى والروائى، وفى خضم نقاشنا ترددت الأنباء من حولنا بأن هناك أحداث جسام تشهدها منطقة وسط البلد حيث مظاهرات واحتجاجات فى ظل مواجهات شرطية مع تنبؤات بامتداد هذه الأحداث الى جل مناطق القاهرة، وبدأ همس البعض المتواجد بالمكان يصل الى آذاننا بالنصح بالمغادرة والتوجه الفورى الى المنازل ففعلنا، ولم أكن أعلم حينها أن ذلك اليوم سيكون يوما فارقا فى تاريخ مصر الحديث وهو يوم الخامس والعشرين من يناير من عام 2011 ، ولازلت أتذكر الأحداث التى تلت هذا اليوم حينما تحولت تلك الأحداث التى قادها شباب مصرى طاهر وطامح فى الحرية والكرامة ضد ممارسات قمعية وفاسدة من وزارة الداخلية آنذاك الى ثورة تستهدف اسقاط النظام.
وكما نعلم فان الأحداث الفارقة فى حياة الشعوب لا تتكشف حقائقها ولا تنكشف خباياها الا مع مرور الزمان ومع شهادة التاريخ عليها، وربما يدرك الشعب المصرى اليوم وبعد مرور عقد كامل من الزمان أن النداء الشهير الذى انطلق فى ذاك الوقت وهو "الشعب يريد اسقاط النظام" لم يكن أبدا يستهدف اسقاط مبارك وحكومته ولكن فى واقع الأمر كان هذا النداء الذى ربما انساق وراءه كثير من الشباب ذوى النية الطيبة والطموح الوطنى المشروع ستارا لهدف تآمرى آخر وهو اسقاط الدولة المصرية ذاتها، تلك المؤامرة التى حيكت بقطع من ليل لتحقيق مآرب اقليمية وداخلية دنيئة خطط لها متآمرو الخارج وتعاون معهم خونة الداخل، ولازلت أتذكر حين خرج حسنى مبارك الذى تميزت فترة حكمه بالخمود والركود على المستويين السياسى والاقتصادى فى خطابه الشهير الذى سبق خطاب التنحى مطالبا المتظاهرين والمعتصمين بالعودة الى المنازل وواعدا اياهم بعدم تجديد فترة حكمه وبانتخابات رئاسية نزيهة تنفى عنه تهمة التوريث وأيضا بالنظر فى المطالب المشروعة للمعتصمين من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، وتعجبت حينها من رفض المتظاهرين والمعتصمين لهذا الخطاب واصرارهم على تنحى الرئيس رغم قناعاتى حينها بأن الحل الذى عرضه مبارك فى خطابه ربما يكون خروجا آمنا من تلك الأزمة لمصر كلها وتجنبا لآثارها السلبية التى طفت على السطح فيما بعد على الشعب بأكمله، ولازلت أذكر تزامن هذه الأحداث مع ما كانت تبثه قناة (الجزيرة) القطرية من أناشيد وطنية وبث أخبار سلبية عن مصر وكأننا فى حالة حرب ضروس، ومن جهة أخرى خروج المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض آنذاك فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق "باراك أوباما" ووزيرة خارجيته الشمطاء "كوندوليزا رايس" التى كانت تحث على ما يسمى بالفوضى الخلاقة لايجاد ما يسمى أيضا بشرق أوسط جديد، ليطالب ذلك المتحدث الرسمى بتنحى مبارك على الفور عن الحكم ثم عندما يسأل عن مخاطر مطالبته بالتنحى الفورى لمبارك على الوضع الداخلى المصرى فيجيب اجابته الشهيرة التى أتذكرها حتى الآن "Now means now". لازلت أتذكر تفاقم الأوضاع الأمنية بعد ذلك، لازلت أتذكر قناصة التحرير، لازلت أتذكر أحداث محمد محمود، لازلت أتذكر الهجوم البربرى على مبنى أمن الدولة، لازلت أتذكر غياب الأمن ونزولى مع جيرانى فى ورديات نهارية وليلية لحماية منازلنا وممتلكاتنا، لازلت أتذكر تلك الأكذوبة التى أطلقها الأفاقون والكاذبون فيما يسمى بفلول الحزب الوطنى المسلحين الذين يهاجمون سكان مصر العزل فى أحيائهم السكنية، لازلت أتذكر تلك الأيام التى اتشحت فيها مصر بالسواد حين اعتلى الاخوان السلطة فى عام حكمهم البغيض حيث أرادوا تغيير هوية مصر وخططوا لتحويل مصر الى ايران جديدة يستشرى فيها أصولية دينية كريهة لخلق حالة من التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، لازلت أتذكر الارهاب الذى انتشر فى كل ربوعومحافظات مصر وراح ضحيته خيرة أبناء مصر من الجيش والشرطة والمدنيين.
ان تاريخ مصر يشى بعناية الله سبحانه وتعالى لهذا البلد عبر جميع الأزمان والأحقاب، ولذلك جعل الله لمصر من كل ضيق مخرجا ومن كل أزمة فرجا فحول محنة مصر التى بدأت من عشر سنوات الى منحة منه سبحانه وتعالى حيث تغير وجه مصر من الجمود والركود الى ديناميكية تنموية لا تهدأ والى حركة دؤوب لا تتوقف فى جميع المجالات بلا استثناء، فالحمدلله الذى سخر لمصر جنوده فى الأرض ليحموها ويصونوها ويحفظوها من كل سوء ومكروه وكرب.
تحيا مصر ....................