وجهه نظر
بقلم ايمن صلاح
يمر الرؤساء فى مختلف دول العالم بكثير من الأحداث التى تؤثر على شعبيتهم سلبا أو ايجابا بين شعوبهم، ويحدث ذلك فى كل دول العالم بجميع أنماطها فى الحكم أو مستوى تقدمها أو تخلفها، وتعتبر استقصاءات الرأى العام احدى وسائل قياس درجة شعبية الرؤساء سواء ارتفاعا او انخفاضا من فترة لأخرى. وعادة ما تتذبذب شعبية الرئيس فى أى دولة من الدول بالتوازى مع الأحداث السياسية والاقتصادية للبلاد حيث أن تلك الأحداث سواء السياسية أو الاقتصادية تكون هى العامل الأكبر فى ارتفاع أو انخفاض شعبية الرؤساء فى بلادهم طبقا لمدى رضا الشعوب عن القرارات أو الأساليب أو المسارات التى يتخذها الرؤساء فى مواجهة تلك الأحداث، الا أنه من الملاحظ أن شعبية الرؤساء الناتجة عن قرارات سياسية تكون حادة الانحدار أو الارتقاء بل أنه يصعب تغيرها على مدار الزمان وقد تصل حدتها حال سلبيتها الى ثورة الشعب على ذلك الحاكم لاسقاطه، وعلى عكس ذلك فان تذبذب شعبية الرؤساء الناتجة عن قرارات أو مسارات اقتصادية تكون مرنة وليست حادة ويسهل تغيرها من فترة زمنية لأخرى طبقا لدرجة تغير الأوضاع الاقتصادية للبلاد ومدى رضاء الشعوب عن مستوى معيشتهم.
وبكل تأكيد سوف نجد أن هذا المفهوم ينسحب على الحالة المصرية فى عصرها الحديث وعبر كل رؤسائها منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 وحتى وقتنا هذا، ونستطيع أن نضرب العديد من الأمثلة التى توضح ذلك المفهوم بل وتثبته أيضا، فاذا نظرنا الى فترة تولى الرئيس / السادات حكم البلاد بعد وفاة الرئيس / جمال عبد الناصر سوف نجد أنها بدأت بشعبية متدنية لا لشىء الا لكونه قد جاء بعد رئيس ذى شعبية طاغية فى ذلك العصر الذى تختلف معاييره عن معايير عصرنا هذا، وربما كان القرار العسكرى للسادات ببدء الحرب على اسرائيل فى أكتوبر من عام 1973 والذى يعتبر قرارا سياسيا على أعلى مستوى ثم الانتصار فى تلك الحرب وما أعقب ذلك من تحرير كامل لأرض سيناء ربما يكون ذلك القرار السياسى هو سبب شعبية الرئيس / السادات الجارفة والقائمة الى وقتنا هذا بين من عاش تلك الحقبة من الزمان، ورغم أن شعبية الرئيس / السادات قد انخفضت الى حد ما فيما بعد نتيجة لبعض القرارات الاقتصادية التى كان أهمها على الاطلاق هو رفع الدعم الجزئى على بعض السلع التموينية مما أدى الى نزول جموع من الشعب الى الشارع المصرى احتجاجا على هذه القرارات الأمر الذى أجبر السادات على التراجع والغاء هذه القرارات، الا أن هذا الانخفاض فى الشعبية كونه ناتجا عن قرارات اقتصادية لم يدم طويلا واستمرت شعبية السادات كبيرة ولم يبق فى أذهاننا الى الآن سوى أنه رجل حرب وسلام نتيجة لقراراته السياسية العظيمة، وحتى فى عهد الرئيس / مبارك التى اتسمت فترة حكمه التى استمرت ثلاثين عاما بالجمود والركود الاقتصادى الا أن ذلك لم يكن السبب المباشر فى انخفاض شعبيته وثورة جزء ليس بالقليل من الشعب عليه فى أحداث 25 يناير من عام 2011 ولكن كان مصدر شرارة تلك الثورة التى لم تستمر سوى ثلاثة أيام مصدرا سياسيا خالصا وهو احتجاج شباب تلك الثورة على الممارسات القمعية لوزارة الداخلية فى تلك الفترة، ثم نأتى على عام الغمة الذى تولى فيه رئاسة مصر المحروسة جماعة الأخوان المتأسلمين بقيادة محمد مرسى ورغم أن هذا العام شهد أقسى درجات التدهور الاقتصادى المصرى حيث لا وقود ولا كهرباء وطوابير الحصول على رغيف العيش بالكيلومترات الا أن السبب وراء ثورة الشعب المصرى بأسره على تلك الجماعة الباغية الضالة لم تكن تلك الأسباب الاقتصادية ولكنها أيضا كانت أسبابا سياسية بحتة حيث أيقن الشعب أن هوية مصر تتغير وأن أسلوب حكم البلاد يتحول من النظام الجمهورى الى نظام ارهابى وان رئيس البلاد لم يعد رئيسا لكل الشعب بل أصبح رئيسا منفذا لقرارات مكتب ارشاد الجماعة بغية مصلحة وتحقيق أهداف تآمرية لجماعة دون غيرها.
ثم نصل الى فترة حكم الرئيس / السيسى الذى تمتع بشعبية غامرة حتى قبل وصوله الى سدة الحكم حيث كان أيقونة ثورة الثلاثين من يونيو العظيمة التى طهرت مصر من حكم الاخوان، ورغم يقين الرئيس / السيسى بأن شعبيته قد تتأثر نتيجة قرارات الاصلاح الاقتصادى والتى كانت لها آثار جانبية حادة وقاسية انعكست على مستوى معيشة المواطن الا أنه أمتلك الجرأة والشجاعة للتضحية بشعبيته من أجل مستقبل أفضل للبلاد فآثر مصلحة البلاد على مصلحته الشخصية، الا أنه كما أسلفت فان تلك الشعبية التى انخفضت بعض الشىء لن تدوم على حالها وستعود الى معدلها الطبيعى فور الانتهاء الكامل من اجراءات الاصلاح الاقتصادى وشعور المواطن بتحسن مستوى معيشته والتى بدأت بوادرها بالفعل فى الفترة الأخيرة.
رغم أن الاقتصاد هو عصب حياة الشعب وهى السبيل الأقصر لشعبية أى رئيس، الا أن القرارات السياسية المصيرية الصحيحة هى الضمانة الأولى لشعبية حقيقية ومستدامة لأى رئيس دولة.