وجهه نظر
بقلم :ايمن صلاح
شعرت فجأة وكأننى أعيشُ اليوم فى مجتمعى المصرى حياةً تشبه "الكراكيب" التى كانت تعبيراً عما يوجد فى منازلِنا قديماً فى أزمنةٍ سابقةٍ من أشياء لا فائدة ولا طائل منها سوى امتلاءِ أركانٍ وربما حجراتِ المنازل بتلك الأشياء، واليوم أجدُ حياتى وقد امتلأت بتلك الكراكيب مع فارقٍ وحيد وهو أن الكراكيب القديمةَ فى المنازل لم تكن ضارةً بينما الكراكيب التى امتلأت بها حياتُنا اليوم ضارةً بل ضارةً جداً، فمن فشلِ مفاوضات سد النهضة مع الجانب الأثيوبى والتهديد المباشر للأمن المائى المصرى والخوف من جفافٍ محتملٍ كنتيجةٍ لبناءِ ثم ملءِ ذلك السد، إلى إعصار التنين الذى ضربَ البلادَ فى موجةِ رياحٍ وسيولٍ لم يشهدها تاريخُ مصر الحديث من قبل أدت الى الشللِ التامِ فى حركةِ العبادِ وألزمَتهم بيوتَهم، ثم يأتى دورُ ذلك الفيروس اللعين المسمى "كورونا" الذى أتى على البقيةِ الباقيةِ من أملٍ دفينٍ داخل نفسى للخروج من هذه الأزمات المتلاحقة، وبدلاً من المكوثِ ليومين أو ثلاثة لاتقاء شرِ التنين أصبحتُ معتقلاً وقيدَ الإقامةِ الجبريةِ لمدةِ اسبوعين أو ثلاثة وربما تزيد بسببِ ذلك الفيروس الذى أنزلَه الله سبحانه وتعالى ليكونَ عبرةً لمن يعتبر. من المؤكدِ أن كل تلك الكراكيب التى غزَت حياتَنا وامتلأت بها أيامُنا هى ابتلاءات من ربِ العبادِ ليختبرَنا ماذا نحن فاعلون ... أنصبرُ أم نجزع؟! أنتوبُ ونؤوبُ ... أم نستمرُ فى الغى والضلالِ؟!
ان ما نمرُ به فى حياتِنا هذه الآونة وأتحدثُ هنا بصيغةِ العقلِ الجمعى لكلِ المجتمع، يستلزمُ وقفةً للمراجعةِ والدرسِ على المستوى الفردى وعلى المستوى الجماعى، فهى ليست بالمصادفةِ أن تجتمعَ مثل تلك الظروفِ السلبيةِ فى ذاتِ الوقت وبتعاقبٍ زمنىٍ غريب بدا وكأنه محسوبٌ ومخططٌ له، وكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يوقظَنا من سباتِنا وأن يحررَنا من غفوتِنا وأن ينجيَنا من شقوتِنا قبل فواتِ الأوان، إن قدرَ اللهِ كلَه خير وإن معَ العسرِ يسراً، وما ابتلى الله العبادَ إلا لحكمةٍ إلهيةٍ لا يعلمُها إلا هو.
والسؤال الذى يطرحُ نفسَه هو "ماذا علينا أن نفعلَ فى مثلِ هذه الابتلاءات؟!"
الإجابةُ قد تكونُ معلومةً للجميع فى مصر بمسلميها وأقباطها ولكن ينقصُنا الإيمانَ الذى يدفعُنا الى التطبيق، الإجابةُ ودون شكٍ هى الأوبةُ والرجوعُ إلى الله تعالى ليس فقط بالعبادات والدعاء فهذا أمرٌ مفروغٌ منه بل ربما كان هذا هو الجزء الهين واليسير من الأمر، ولكن ما أعنيه هنا هو العودة الى صحيحِ الدين بالمعاملات فيما بيننا فالدينُ هو المعاملة كما تعلمَنا من علمائِنا، فكم من متعبدٍ لله ولكنه قد ظلمَ هذا واغتابَ ذاك ثم اختلسَ مالاً هنا وأهدرَ حقوقاً هناك. علينا أن نعيدَ حساباتنا مع الله عز وجل فنخلِصُ لوطنِنا ودينِنا ونراعى ضمائرَنا فى كلِ أعمالِنا. علينا أن نتعاملَ كمواطنين صالحين داخل أوطانِنا، وكعاملين متفانين فى أماكنِ أعمالِنا، وكجيرانٍ متعاونين فى سكنِنا، علينا ألا ننظر فقط لمصالحِنا الذاتية الدونية التى تملأُها الأنانية ولكن علينا أن نراعى مجتمعَنا الذى نعيشُ فيه وننظر إلية نظرةَ إيثارٍ وتضحية.
إن الكراكيبَ التى ضاقت بها أعناقُنا بما قدمَت أيدينا وبانتشارِ الفسادِ فى البرِ والبحرِ لن تزولَ إلا بزوالِ أسبابِ وجودِها، ووالله الذى لا اله الا هو لن يغيرَ الله حالَنا إلا إذا غيرنا نحن ما بأنفسِنا.
فاللهم ارفعْ مقتَك وغضبَك عنا ..... وارفعْ عنا البلاءَ والوباءَ انك انت مجيبُ الدعاء.