مستقبل اسعار النفط (USOIL): هل ينذر هبوط الأسعار بعودة شبح الركود العالمي؟

  • بقلم : رانيا جول

     كبير محللي الأسواق في XS.com - منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)

     

    يبدو أن سوق النفط العالمي يمر بمرحلة حرجة تتداخل فيها عوامل اقتصادية وجيوسياسية، تُلقي بظلالها الثقيلة على أسعار الخام، وتحديدًا الخام الأمريكي، الذي يواصل انحداره ليُلامس مستوى 59.50 دولارًا للبرميل. وهذا التراجع الحاد، الذي يُعد الأكبر منذ نوفمبر 2021، لا يُمكن اعتباره مجرد تصحيح تقني أو نتيجة لحالة عرض وطلب اعتيادية، بل هو انعكاس مباشر لمخاوف متزايدة من تباطؤ اقتصادي عالمي تُغذّيه سياسات حمائية وتوترات تجارية تعصف بأكبر اقتصادين في العالم: الولايات المتحدة والصين.

     

    ومن وجهة نظري، المستثمرون باتوا أكثر حساسية لأي مؤشرات تدل على تراجع في النشاط الاقتصادي، وقد جاء الهبوط الكبير في مؤشر ثقة المستهلك الأمريكي إلى أدنى مستوياته منذ أبريل 2020 كإشارة واضحة على هشاشة المزاج الاقتصادي. وهذا التراجع الحاد في الثقة لم يحدث من فراغ، بل تزامن مع قرارات جمركية مفاجئة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أدت إلى إشعال فتيل مواجهة تجارية جديدة مع الصين. وفي مثل هذه البيئة، يصبح النفط الخام - كسلعة سيادية مرتبطة بالنمو والنشاط الصناعي - أول من يتلقى الضربات، في ظل مخاوف من انكماش الطلب العالمي، وتباطؤ سلاسل الإمداد.

     

    وبرأيي، لا يبدو أن العامل الأساسي الوحيد هو الطلب. فجانب العرض أيضاً يضيف عبئاً إضافيًا على الأسعار. إذ أظهرت بيانات معهد البترول الأمريكي ارتفاعًا غير متوقع في مخزونات الخام الأمريكية بمقدار 3.8 مليون برميل، وهو ما يُعمّق مخاوف السوق من وجود فائض هيكلي في المعروض. فعندما تتجاوز الزيادة الفعلية توقعات السوق بقرابة عشرة أضعاف، كما هو الحال هنا، فإن ذلك يُعد إشارة سلبية قوية تعكس ضعف السحب من المخزونات، وبالتالي تباطؤ النشاط الصناعي أو الاستهلاكي الفعلي.

    وإذا أضفنا إلى ذلك احتمال تسريع منظمة أوبك+ لوتيرة زيادات الإنتاج في اجتماعها القادم، فإن الصورة تصبح أكثر سوداوية. منطق أوبك+ قد يكون مبنيًا على حماية حصتها السوقية أو استباق ارتفاعات مستقبلية في الطلب، لكن التوقيت يبدو غير موفق، فالسوق حالياً لا يُعاني من شح المعروض بل من ضعف الاستهلاك. وفي حال تم اعتماد زيادات إنتاج إضافية فعلًا في يونيو، فإننا قد نشهد موجة بيع جديدة في السوق، قد تدفع الأسعار نحو مستويات غير مسبوقة منذ ذروة أزمة كوفيد-19.

     

    أيضاً أرى أن البيئة العالمية تضيف مزيدًا من التعقيد. فالبيانات من الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستورد للنفط، تشير إلى بوادر تباطؤ اقتصادي حقيقي. ومع اتساع دائرة الحرب التجارية، يبدو أن هناك توجهاً نحو تقليص حجم النشاط الصناعي، وتقليل الاعتماد على السلع المستوردة، وهو ما يعني ضغوطًا مزدوجة على الطلب العالمي على النفط. كما أن الانقطاعات المفاجئة في البنية التحتية للطاقة - كما حدث في إسبانيا مؤخرًا بانقطاع واسع للتيار الكهربائي أدى إلى توقف المصافي مما يزيد من هشاشة سلاسل الإمداد والتكرير، وتُضيف مزيدًا من عدم اليقين.

     

    وبينما تنخفض الأسعار بشكل متسارع، تُحاول الولايات المتحدة استغلال الفرصة عبر إعادة ملء احتياطياتها الاستراتيجية من النفط، التي تراجعت إلى مستويات تاريخية بعد عمليات السحب الواسعة خلال السنوات السابقة. لكن حتى مع هذه الخطط، فإن التأثير في السوق سيكون محدودًا. فعملية إعادة ملء الاحتياطي البترولي الأميركي قد تمتد لسنوات وتتطلب تمويلاً بمليارات الدولارات، وبالتالي لا يُتوقع أن تشكل قوة دعم فعلية على المدى القصير.

     

    ومن رأيي، نحن نواجه مزيجًا مقلقًا من العوامل المتزامنة: تباطؤ اقتصادي حقيقي في أكبر اقتصادات العالم، تفكك محتمل في العلاقات التجارية الدولية، مخزونات مرتفعة، إنتاج متزايد، وعودة محتملة للإمدادات الإيرانية، التي قد تُغرق السوق مجددًا إذا ما أُنجز اتفاق نووي جديد. وفي ظل هذا الواقع، لا أستبعد أن نشهد أسعار الخام تهوي إلى ما دون 55 دولارًا خلال الأسابيع المقبلة، خاصة إذا لم يطرأ تحسّن ملموس على مؤشرات الطلب العالمي أو تم التوصل إلى حلٍ يُخفف من التصعيد الجمركي بين واشنطن وبكين.

     

    لذا فالنظرة المستقبلية لأسعار النفط تميل إلى السلبية على المدى القصير إلى المتوسط. ويبقى الأمل الوحيد الكامن في تدخل منسق من البنوك المركزية الكبرى لتحفيز النمو، أو تراجع مفاجئ في التوترات الجيوسياسية والتجارية. حتى ذلك الحين، سيبقى السوق خاضعاً للخوف والضبابية، مما يجعل من الصعب على الأسعار أن تجد استقرارًا حقيقيًا في الوقت الراهن.

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن