كتب : محمد الخولي
تحذر مؤسسة النزاهة والدقة فير (“FAIR“) الأمريكية بأن استحواذ لاري إليسون على تيك توك، إلى جانب سيطرة عائلته المتزايدة على وسائل الإعلام الأمريكية، يُمثل ترسيخًا خطيرًا لسلطة الإعلام بالتوافق مع دونالد ترامب والسياسات المحافظة. ويُحذر من أن هذا التوجه يدفع الولايات المتحدة نحو بيئة إعلامية أحادية الحزب.
وسيستحوذ لاري إليسون، مؤسس شركة أوراكل الملياردير، عمليات تيك توك في الولايات المتحدة بالتعاون مع حلفائه من المستثمرين، مُضيفًا بذلك هيمنةً على وسائل التواصل الاجتماعي إلى إمبراطوريته التجارية ويُسيطر ابنه، ديفيد إليسون، على شركتي باراماونت وسي بي إس من خلال سكاي دانس، مما يُحوّل سي بي إس نحو موقف تحريري يميني، فيما تتطلع عائلة إليسون إلى الاستحواذ على شركة وارنر براذرز ديسكفري، التي تضم سي إن إن، مما يمنحهم سيطرةً محتملةً على العديد من المنصات الإعلامية المؤثرة.
و تستعد الولايات المتحدة لتغيير جذري في هيكلية منصة “تيك توك”، بعد توصلها لاتفاق مع الشركة الصينية “بايت دانس”.
وبموجب هذا الاتفاق، ستنتقل السيطرة على عمليات تيك توك في الولايات المتحدة إلى أغلبية أمريكية مع السيطرة على خوارزمية التطبيق التي تحدد المحتوى الذي يصل إلى المستخدمين الأمريكيين من خارج الولايات المتحدة وداخلها.
فبينما كانت هذه الخوارزمية ملكًا لـ”بايت دانس” وتعمل الشركة الأمريكية بموجب ترخيص لتشغيلها، سيصبح الوضع مختلفًا تمامًا. وصرحت كارولين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بأن الخوارزمية ستكون تحت السيطرة الأمريكية الكاملة، وستتولى شركة أوراكل إدارة البيانات والخصوصية. هذا التحول له تداعيات هائلة على المشهد الإعلامي الأمريكي، خاصة مع اقتراب الانتخابات.
فقد أظهرت الوثائق أن الصفقة الجديدة تربط تيك توك بشبكة من رجال الأعمال اليمينيين المقربين من دونالد ترامب، أبرزهم الملياردير لاري إليسون، مؤسس شركة أوراكل. إليسون، المعروف بعلاقاته الوثيقة بترامب ودعمه للقوات الإسرائيلية، يضع نفسه في موقع محوري عبر هذه الصفقة.
سيطرته على تيك توك، بالإضافة إلى محاولات عائلته الاستحواذ على شركات إعلامية أخرى مثل سي. إن. إن. ، قد تؤدي إلى تشكيل إمبراطورية إعلامية جديدة تسيطر على المحتوى الموجه للشباب.
السيطرة على خوارزمية تيك توك لا تعني حجب المحتوى بشكل مباشر، بل يمكن استخدامها لتوجيه المستخدمين نحو سرديات معينة وإخفاء وجهات النظر المنافسة.
هذا يثير مخاوف بشأن تحويل الفضاء الرقمي، الذي كان في السابق منبرًا للتعبير الحر، إلى أداة للدعاية السياسية.
وسبق أن لعب تيك توك دورًا كبيرًا في نقل وجهات نظر وتغطية إعلامية مختلفة عن الأحداث الجارية، مثل الحرب على غزة، مما أثار غضب اللوبي الإسرائيلي. ويُحذِّر مُعلِّقون مثل دان راذر وإليزابيث وارن من أن تركيز المليارديرات على وسائل الإعلام يُهدد بتقويض الديمقراطية.
ومن شأن السيطرة على تيك توك (أكثر من 170 مليون مستخدم أمريكي)، وباراماونت+، وسي بي إس، وسي إن إن، وربما وارنر براذر، أن تمنح عائلة إليسون انتشارًا لا مثيل له عبر منصات البث والبث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويرى مراقبون بأن هذا يُحاكي استراتيجيات “الاستحواذ على وسائل الإعلام”، مما يُقلص مساحة الصحافة المستقلة أو الناقدة.
سيتقاسم شركة تيك توك في أمريكا تحالف ثلاثي يضم “أوراكل” و”أندريسن هورويتز” و”سيلفر ليك مانجمنت” ليعيد صياغة نسخة أميركية خاصة من التطبيق بحصة أقل من 20 بالمئة لشركة”بايت دانس” الصينية صاحبة تيك توك الأصلية بموجب صفقة تاريخية بحسب بلومبرغ. وسيمتلك كل طرف فيه حصة تضمن توازن المصالح، مع الاستفادة من خبرة “أوراكل” في استضافة بيانات المنصة، ورأسمال “أندريسن هورويتز”، إلى جانب ثقل “سيلفر ليك” الاستثماري. الصفقة تُعيد رسم ملامح الملكية، إذ ستُخفض حصة إلى أقل من 20%، وهو ما يلبي متطلبات قانون الأمن القومي الأميركي لعام 2024، الذي فُرض لتقليص النفوذ الصيني في قطاع التكنولوجيا داخل السوق الأميركية. وفي حال تمت المصادقة عليها من الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الصيني شي جين بينغ، فإن التطبيق سيواصل عمله دون تهديد الحظر، بينما تدخل العلاقة بين واشنطن وبكين مرحلة جديدة بعد إزالة واحدة من أكثر النقاط توتراً بينهما.
ترمب من جانبه منح الشركة الصينية مهلة إضافية حتى السادس عشر من ديسمبر، في رابع تمديد يمنح لها، ليتيح المجال للتوصل إلى الصيغة النهائية للاتفاق. لكن ما يزال الغموض يحيط بمستقبل خوارزمية “تيك توك”، القلب النابض للتطبيق، إذ تشير تقارير إلى أن “بايت دانس” ستمنح ترخيصاً لاستخدامها في النسخة الأميركية، غير أن القانون يمنع أي دور تشغيلي للشركة الصينية بعد البيع، ما يفتح الباب أمام نقاشات أوسع حول مدى استقلالية الكيان الجديد وقيمة التكنولوجيا التي ستظل تحت ظلال العملاق الصيني.