على هامش "كورونا"

  • §       بقلم : اسلام محفوظ

    ضرب فيروس كورونا العام فجأة وأحدث تحولاً كبيراً وشاملاً فى كل مجالات الحياة فى كل دول العالم ، وتبارى المحللين فى تفسير مايحدث ،البعض يقول أنها مؤامرة صينية وآخر يقول مؤامرة أمريكية وثالث يقول روسية ورابع يقول مؤامرة صينية أمريكية وخامس مؤامرة من شركات الأدوية وسابع وثامن و...والبعض يقول أنها غضب من الله عز وجل على البشر لكثرة ذنوبهم ومعاصيهم وظلمهم ، وكأن الجميع أصبح فجأة محللاً استراتيجياً يعلم خبايا الأمور ولديه من المعلومات وأدوات التحليل مايستطيع أن يعرف بها مالا يعلمه غيره .

    لكن الحقيقة الواقعة أن هناك وباء يضرب الأرض ويسبب خسائر كبيرة اقتصادية وبشرية ولا يفرق بين أحد وآخر بسبب دينه أو جنسيته أو جنسه الكل أمامه سواء فمن يصيبه يضربه بلا رحمة او هواده ولا ينجو منه الا بفضل الله ورحمته. ولا ادعى أننى خبيراً أو عالماً أو محللاً استراتيجياً ولكن الوضع الذى فرضه علينا كورونا من ضرورة المكوث بالبيت لفترات طويلة كانت فرصة للتأمل والتفكر والتدبر نتج عنها بعض الأفكار وأيضا كثير من التساؤلات التى تحتاج إلى تحليل ودراسة للإجابة عليها .

    1-   هل كورونا مؤامرة حقا ؟ وإن كانت مؤامرة فمن المستفيد : الذين يقولون أنها مؤامرة فأيا كانت الجهة أو الدولة التى تقف ورائها ما الدافع الذى يدفعها لعمل ذلك ؟ فالكل خاسر الآن ، أقوى الإقتصاديات وأضعف الدول الكل يعانى ، فالمؤامرة فى حدود علمى الضيق قد تكون من دولة أو جهة ضد دولة أو جهة أخرى ولكن هل يعقل أن تكون هناك مؤامرة من جهة أو دولة ضد البشرية جمعاء ؟ ألا يعلم من فعل هذا – إن كانت هناك مؤامرة حقا- أن هذا الوباء إذا زاد وتوسع كما هو الآن سوف يكون هو نفسه من المتضررين وربما أكبر الخاسرين ، وإن كان يملك العلاج لهذا المرض الفتاك ليحمى نفسه ، فماذا سوف يستفيد من هلاك البشر ؟ فمن لم يمت بكورونا ربما مات من الخوف أو الحزن لفقد أحبابه أو من الجوع بسبب توقف معظم الأنشطة الاقتصادية . فهل تريد هذه الجهة أو تلك الدولة أن تعيش على الأرض وحدها ؟

    2-     هل كورونا غضب من الله عزوجل ؟ :ذهب البعض إلى أن كورونا هو غضب من الله عز وجل على البشر بسبب كثرة ذنوبهم ومعاصيهم ، وتكبر الكثير من الدول والأشخاص بالمال أو العلم أو القوة العسكرية أو غيرها ، ولكنى أتسائل ألم تكن هناك أوبئة وأمراض ضربت البشرية فى أزمنة سابقة وسببت الكثير من الوفيات ؟ فهل كان هذا بسبب الذنوب والمعاصى ؟ وهل كانت هذا الأوبئة سببا فى هداية الناس وتوبتهم ورجوعهم إلى الله بعد ذلك ؟ ألم تصب هذه الأمراض والأوبئة فى كثير من الأحيان الصالحين والطيبين ؟ كلنا نعلم أن جيل الصحابة هو أفضل جيل عرفته البشرية بعد الرسل فى ورعهم وصلاحهم وتقواهم ، وأن عهد سيدنا عمر بن الخطاب هو مضرب المثل فى العدل والمساواة ومع ذلك أصاب الناس فى عهده مصيبتان كبيرتان ، الأولى مجاعة كبيرة أكل الناس فيها ورق الشجر وأسقط فيها سيدنا عمر حد السرقة لأن من يسرق إنما يسرق ليسد حاجته وجوعه والدولة عجزت عن توفير الحد الأدنى من الرعاية ليبقى الناس على قيد الحياة ، والمصيبة الثانية كانت طاعون عمواس فى الشام والذى مات فيه أكثر من خمسة وعشرون ألف إنسان ومنهم عدد كبير من الصحابة ، فهل كان هذا بسبب ذنوبهم ؟ فالأوبئة والأمراض والكوارث الطبيعية يرسلها الله ويصيب بها من يشاء سواء كانوا صالحين أو عاصين لحكمة يعلمها سبحانه وما علينا إلا أن نأخذ منها العبرة والعظة ونرجع فيها وفى كل وقت إلى الله راجين عفوه وغفرانه.

    3-   من أكبر الذنوب نسيان النعم : إن كان كورونا أرسله الله على البشر بسبب معاصيهم وذنوبهم فإن من أكبر الذنوب التى نقع فيها جميعا هى حجم النعم التى كنا نعيش فيها ولا ندركها ولا نحمد الله عليها ، بل إن البعض كان ينظر إلى بعض هذه النعم على أنها عذاب أو ابتلاء للأسف الشديد ، فقد كنا نعمل لساعات طويلة وكثير منا كان له نشاط حر بجانب وظيفته كنا نقضى فيه وقتا ومجهودا كبيرا ومع ذلك لم قانعين أو راضين بالدخل الذى يأتى منه ورغم انه كان يكفينا وندخر منه الا أننا كنا نرى أنه لا يتناسب مع المجهود الذى نبذله ولا نقول الحمد لله وننظر إلى ما فى أيدى غيرنا ، فجاء كورونا وتوقف معظم نشاطنا وأعمالنا وانقطع هذا الدخل الذى كان لا يعجبنا مقداره وأصبحنا نتمنى أن نعود ولو لنصفه وبنفس المجهود حتى لا تتآكل مدخراتنا .                                                                                                    وكنا بسبب طاحونة الحياة التى كنا نحياها قليلا ونادرا مانذهب إلى المساجد حتى أغلقت فأدركنا كم هى الحياة صعبة بدونها وكم كنا مقصرين فى حقها. وكما كنا نشكو من العمل الكثير والبقاء خارج المنزل لساعات طويلة ونتوجع ونشتكى من ذلك ونتمنى لو نبقى فى المنزل لفترات طويلة نقضيها بين النوم والطعام واللعب مع الأولاد ، والآن أدركنا نعمة العمل والمشاغل وحرية الحركة والدخول والخروج .فقد جاءت كورونا لتذكرنا بهذه النعم وغيرها كثير كنا فى غفلة عنها ،إن عدم الإحساس والاعتراف بنعم الله الكثيرة علينا وشكر الله عليها هى من أكبر الذنوب التى تستحق الاستغفار والتوبة .

    4-   كورونا وحدت البشرية : فيروس كورونا ضرب الأرض كلها لا يفرق بين دولة وأخرى من حيث القوة والغنى والتقدم العلمى الكل أمامه سواء ، ويصيب كل البشر لا فرق عنده بين أحد وآخر بسبب الجنس أو الدين أو اللون ،هو يصيب الإنسان أيا ما كان ، لذلك لابد لجميع البشر وجميع الدول أن تتخلى عن صراعاتها ومصالحها الذاتية فى سبيل تحقيق مصلحة البشرية جمعاء، فالكل أصبح يدرك أنه فى خطر وأنه غير قادر على مواجهة الوضع منفرداً ، وأنه إذا استمر فسوف تكونه آثاره كارثية على الجميع ، لذا ربما يكون من فوائد كورونا أن نتوحد وندرك أننا الأسرة البشرية فى مركب واحد إذا تعرضت للخطر فلابد من التعاون فى مواجتهه وإلا سنغرق جميعا .

    5-   الشباب الأمل : على مدخل إحدى القرى استوقفنى مجموعة من الشباب أشكالهم تدل على أنهم فى المرحلة الجامعية يرتدون كمامات وقفازات ومعهم بعض أجهزة التعقيم ، وبكل أدب طلبوا التوقف وأن أمد يدى وكذلك زوجتى وابنى ليقوموا بتعقيمها ثم طلبوا إغلاق زجاج السيارة لتعقيمها من الخارج ثم اعطونى ورقة بسيطة بها تعليمات عن كورونا ، ويبدوا من مظهرهم أنهم لا يتبعون أحد ويعملون هذا تطوعاً نتيجة إحساسهم بالمسئولية الملقاة عليهم وأن دورهم يجب أن يكون على الأرض لتوعية الناس ، ويعملون فى صمت دون ضجيج إعلامى فتحية لهؤلاء الأبطال ولأمثالهم .

    6-   التحول الرقمى و كورونا : لطالما ضاعت أوقاتنا وتعطلت أعمالنا بسبب الحصول على خدمة من أحد الجهات ( بنك – بريد- مرور –كهرباء وغيرها) وكنا نقف بالساعات أمام موظف يظن نفسه محور الكون ويكون فى بعض الأحيان مرتشى وأنت لا تدرى وبمجرد أن يرى النقود يتحول إلى عبد يصنع لك كل ماتريد فى لحظات ، وكم كنا نتمنى أن تتحول هذه الخدمات إلى خدمات رقمية حتى نتخلص من كل هذه المشكلات ، وأعتقد أن الوقت قد حان وأن التحول الرقمى لكثير من الخدمات أصبح ضرورة وليس رفاهية ، ولكن علينا إعداد البنية التحتية الرقمية بحيث يتم إنجاز هذه الخدمات بسهولة وبفعالية حتى نتخلص من مقولات مثل (نأسف الخدمة معطلا مؤقتا) أو مقولة (السيستم واقع يا فندم ) .                             حفظنا الله وإياكم من كل مكروه وسوء.



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن