بقلم : د.عادل اللقانى
خبير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات
"في عالم سريع التغيرحيث تلتقي التكنولوجيا مع خيال المستقبل، جاء مؤتمر Google I/O 2025 ليؤكد أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد فكرة بعيدة أو حلم خيالي، بل هو واقع يُصنع الآن. قدمت جوجل في مؤتمرها الأخير مجموعة من الابتكارات والتقنيات التي تبدو كما لو أنها جزء من قصة خيالية، قصة بدلت مسار التكنولوجيا لكنها لم تكتمل بعد. فما بين وعود وتحديات يبقى هذا الفصل في عالم الذكاء الاصطناعي مفتوحًا على احتمالات لا حصر لها فى المستقبل .. دعونا فيما يلى نتعرف على هذه القصة ".
أولا : ما هو مؤتمر Google I/O؟
هو حدث عالمي تنظمه جوجل كل عام، لتعرض فيه أحدث ما توصلت إليه من تقنيات خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، والبرمجة، وتطبيقات الهواتف.هذه السنة كان التركيز الأكبرعلى "الذكاء الاصطناعي" وكيف يمكن أن يساعد الناس في كل جانب من جوانب حياتهم.
ثانيا: ما هو الذكاء الاصطناعي؟
تخيل أنك تتحدث مع هاتفك، وتطلب منه أن يكتب لك رسالة، أو يبحث لك عن مطعم، أو ينظم لك جدول الأسبوع. الذكاء الاصطناعي هو التقنية التي تسمح للأجهزة والبرامج أن "تفهمك" وتقوم بمهامك بدلاً منك، وكأن لديك مساعدًا ذكيًا يعيش داخل هاتفك أو جهاز الكمبيوتر.
ثالثا : ماذا أعلنت جوجل فى هذا المؤتمر ؟
قدمت شركة جوجل مؤخرًا فى مؤتمرها السنوي Google I/O 2025 - وهو الحدث الذي ينتظره الملايين من عشاق التكنولوجيا والمطورين حول العالم - مجموعة من الابتكارات التي تعكس رؤية جوجل المستقبلية، حيث بات الذكاء الاصطناعي محور جميع التطورات الجديدة، ليس كأداة فقط، بل كشريك ذكي في حياتنا اليومية ومنها :
1- 2.5 Gemini محرك بحث يفهمك مثل صديق ذكي : طرحت جوجل نسخة مطورة من نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، تحت اسم Gemini 2.5، التي تمتاز بقدرتها على فهم وتحليل المعلومات بشكل أعمق. بخلاف النماذج السابقة التي تقتصر على تقديم إجابات مباشرة، بات Gemini 2.5 قادراً على معالجة المواضيع المعقدة وتقديم حلول شاملة، ما يجعله أداة فعالة للطلاب، الباحثين، والمحترفين.
مثال : هل تتذكر كيف تبحث في جوجل عادة ؟ تكتب كلمات مثل "أفضل مطاعم القاهرة" أو "كيف أكتب سيرة ذاتية ؟".لكن مع Gemini الجديد يمكنك ببساطة أن تكتب: "أنا مسافر مع أسرتي إلى الإسكندرية الأسبوع القادم، اقترح لي برنامجًا سياحيًا 3 أيام مع أماكن أكل جيدة وألعاب للأطفال". وسيقدّم لك الذكاء الاصطناعي إجابة مفصلة، تشمل جدول يومي، أسماء مطاعم، وأماكن ترفيه.
بمعنى آخر: لم تعد مضطرًا لقراءة 10 صفحات لتجد ما تريد. جوجل بادواتها الجديدة اصبحت تقدم لك الإجابة جاهزة.
2. مشروع مارينر (Project Mariner): .. مساعدك الذكي داخل متصفح جوجل : وهي أداة ثورية تهدف إلى تحويل تجربة تصفح الإنترنت من عملية يدوية إلى تجربة ذكية وسلسة تعتمد على "مساعد رقمي" يعمل من داخل متصفح Google Chrome ، ومشروع مارينر ليس مجرد إضافة بسيطة للمتصفح، بل هو بمثابة وكيل ذكي يستطيع تنفيذ المهام المعقدة التي يقوم بها المستخدم عادة بشكل يدوي. الأداة قادرة على قراءة وفهم صفحات الإنترنت، التفاعل معها، وتنفيذ خطوات متعددة بشكل تلقائي استنادًا إلى أوامر المستخدم.
مثال : يمكن للمستخدم أن يعطي أمرًا كتابيًا مثل :سجّلني في ورشة العمل المجانية حول الذكاء الاصطناعي" فيقوم مارينر تلقائيًا بفتح الموقع المناسب، التنقل بين الصفحات، ملء البيانات المطلوبة، والنقر على "تأكيد" – تمامًا كما يفعل الإنسان، ولكن في ثوانٍ معدودة وبأقل تدخل بشري. وحتى الآن ما زال مشروع مارينر في طور التجربة والتطوير الداخلي، لكن من المتوقع أن تطرحه جوجل رسميًا لمستخدمي Google Chrome خلال النصف الثاني من عام 2025، ضمن حزمة أدوات الذكاء الاصطناعي المدمجة في المتصفح.
3. Duet AI. .شريكك الذكي لتسريع العمل والبرمجة : ضمن سلسلة الأدوات الثورية التي كشفت عنها جوجل خلال المؤتمر، برزت أداة Duet AI كأحد أبرز الحلول التي تستهدف تعزيز الإنتاجية في بيئات العمل والبرمجة. الأداة تمثل نقلة نوعية في عالم التعاون الرقمي، حيث تدمج الذكاء الاصطناعي مباشرة في خدمات Google Workspace وGoogle Cloud، لتقدم للمستخدمين مساعدًا ذكيًا يعمل إلى جانبهم، لا بديلًا عنهم. أما في مجال البرمجة، فتتحول Duet AI إلى مساعد برمجي قادر على كتابة الأكواد، اكتشاف الأخطاء، واقتراح حلول فورية، ما يجعلها أداة لا غنى عنها للمطورين، خاصة في بيئات Google Cloud.
مثال:أنت تعمل في شركة، وتريد أن تكتب تقريرًا لمديرك عن نتائج الأسبوع فيقوم Duet AI بتلخيص البيانات التي جمعتها، وكتابة تقرير رسمي بلغة احترافية. كما يمكنه في Gmail كتابة ردود تلقائية على الرسائل، مثل: "شكرًا لتواصلك، سأعود إليك قريبًا"، أو "يرجى إرسال التفاصيل المطلوبة". وأصبحت Duet AI متاحة الآن لمستخدمي Google Workspace عبر الاشتراك في الخطط المدفوعة، كما تم دمجها في بيئة Google Cloud للمطورين، مع دعم للعديد من لغات البرمجة وأطر العمل الشهيرة.
4 Ask Photos. ..ابحث عن صورك بالكلام فقط : وهي ميزة مدعومة بتقنية الذكاء الاصطناعي Gemini، تهدف إلى تسهيل عملية البحث داخل مكتبة الصور والفيديوهات في تطبيق Google Photos. الميزة تتيح للمستخدمين طرح أسئلة باستخدام اللغة الطبيعية، مثل: "أين ذهبت في عطلة الصيف الماضي؟" أو "متى تعلمت ابنتي السباحة؟"، ليقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل الصور وتقديم الإجابات المناسبة.
مثال : بدلاً من البحث يدويًا، يمكنك أن تسأل هاتفك: "أرني صور السيارة الجديدة التي اشتريتها"، أو "أين صور حفلة عيد ميلاد أمي؟" وسوف يعرض لك الصور المناسبة تلقائيًا!هذه الأداة توفر الكثير من الوقت والجهد في البحث داخل الصور.
5. AlphaEvolve. . ذكاء يفكر كالمبرمجين :هذه الأداة موجهة أكثر للمبرمجين والمطورين، لكنها ستؤثر على الجميع بطريقة غير مباشرة وهى قادرة على أن "تخترع" خوارزميات جديدة -اي حلول تقنية للمشاكل - مما يعني تسريع ابتكار تطبيقات جديدة وألعاب وأدوات ذكية. في المستقبل بفضل هذه التقنية سنحصل على برامج وتطبيقات أكثر تطورًا وسرعة.
6 . Veo 3,Imagen – إنشاء الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي : قدمت جوجل أدوات مبتكرة مثل Imagen وVeo، التي تمكن المستخدمين من إنتاج صور وفيديوهات عالية الجودة باستخدام الذكاء الاصطناعي بسهولة ودون الحاجة إلى مهارات تقنية متقدمة. تخيل أنك تريد إنشاء إعلان أو فيديو تعليمي دون الحاجة إلى كاميرا احترافية أو برامج تحرير معقدة. فقط بوصف فكرتك للذكاء الاصطناعي، يمكنه توليد الصور والفيديوهات المطلوبة. هذا التطور يفتح الباب أمام مزيد من الإبداع ويسهل على الجميع التعبير عن أفكارهم بشكل بصري مميز.
7 . مشروع Astra .. المساعد الذكي الذي يرى ويسمع في الوقت الحقيقي: لا يقتصر دور Astra على تقديم المساعدة الصوتية فقط، بل يعتمد على الكاميرا لفهم البيئة المحيطة، التعرف على الأشياء، وتقديم نصائح فورية تتناسب مع سياق المستخدم. مثلاً، إذا كنت في مطعم جديد، يمكن لـ Astra أن يقرأ لك قائمة الطعام ويقترح الأطباق حسب تفضيلاتك الصحية أو ذوقك الشخصي. هذه التقنية تنقل تجربة التفاعل مع الأجهزة إلى مستوى جديد كليًا، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي بمثابة عين وذراع إضافية للمستخدم.
8 . نظارات الواقع المعزز Android XR ..الدمج بين العالم الرقمي والواقع الحقيقي: هذه التقنية تتيح للمستخدمين تفاعلًا فوريًا مع المعلومات الرقمية أثناء التنقل أو أداء المهام اليومية. هذه النظارات يمكنها عرض تعليمات التنقل أثناء القيادة أو إظهار معلومات فورية عن المنتجات أثناء التسوق، مما يسهل على المستخدم أداء مهامه بشكل أكثر كفاءة وسرعة.
رابعا: ما خطة جوجل للمستقبل؟
أعلنت جوجل أنها ستستثمر أكثر من 75 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة.هدفها أن تجعل كل منتجاتها - من البحث، إلى يوتيوب، إلى الخرائط، وحتى صور الهاتف - أكثر ذكاءً، وأكثر فهمًا لاحتياجاتك. تريد جوجل أن يكون الذكاء الاصطناعي مثل "شخص بجانبك"، يساعدك في كل شيء، طوال الوقت، سواء في العمل أو المنزل.
خامسا : لماذا القصة لم تكتمل بعد ؟
رغم كل هذه القفزات تبقى قصة الذكاء الاصطناعي غير مكتملة لان هناك العديد من التحديات التى ستواجه مثل هذه التقنيات والادوات الجديدة مثل الخصوصية، الأمان، الفجوة الرقمية، والمخاوف الأخلاقية لا تزال تواجه المطورين والمستخدمين على حد سواء. كيف يمكننا ضمان أن هذه التقنيات ستُستخدم لصالح البشرية، دون أن تتحول إلى أداة للسيطرة أو التمييز؟ .. وهناك أكبر المخاوف بكيفية استخدام البيانات الشخصية، حماية خصوصية المستخدمين، وضمان عدم استغلال التكنولوجيا في ممارسات تمييزية أو تلاعب بالمعلومات. لذا، يجب على شركات التكنولوجيا، بما فيها جوجل، العمل جنبًا إلى جنب مع الجهات التشريعية لوضع أطر واضحة تحمي المستخدمين وتضمن الشفافية.
التحدي الآهم فى رأيى هو كيفية وصول هذه التقنيات إلى الجميع، وليس فقط إلى دول ومجتمعات معينة. الذكاء الاصطناعي قد يعزز الفجوة الرقمية إذا لم تُتخذ إجراءات لضمان وصوله وتوفير بنية تحتية مناسبة في المناطق الأقل تطورًا. لذلك، التعاون الدولي والاستثمار في البنية التحتية الرقمية أمر ضروري لتحقيق فائدة شاملة.
سادسا : ماذا كان راى وتحليل الخبراء ؟
يرى العديد من المختصين أن جوجل تتقدم بخطوات كبيرة نحو دمج الذكاء الاصطناعي في تفاصيل حياتنا اليومية مما قد يغير طريقة العمل، التعليم، وحتى الترفيه. لكنهم يحذرون من تحديات الخصوصية، الفجوة الرقمية بين الطبقات الاجتماعية، واحتمالية اعتماد التكنولوجيا بشكل مفرط مما يؤثر سلبا على الاداء البشرى وابداعاته.
سابعا : ماهو رأي الكاتب لهذا المقال .. وماهى اهم النصائح للمستخدمين ؟
من وجهة نظري مؤتمر Google I/O 2025 يمثل قفزة نوعية في دمج الذكاء الاصطناعي مع حياتنا اليومية، ويعكس رؤية جوجل الطموحة لجعل التكنولوجيا أكثر ذكاءً وسهولة في الاستخدام. ولكن لا يمكننا تجاهل بعض المخاوف المهمة التي طرحها الخبراء مثل حماية الخصوصية وكيفية ضمان وصول هذه التقنيات للجميع دون تمييز.
لذلك أنصح المستخدمين بالتالي:
· التعرف على مميزات الذكاء الاصطناعي الجديدة وتجربتها بشكل تدريجي، للاستفادة منها في تحسين حياتهم العملية والشخصية.
· الوعي بحماية البيانات الشخصية، وعدم مشاركة معلومات حساسة مع أي تطبيق أو خدمة بدون معرفة كافية بسياسة الخصوصية.
· مراقبة التوازن بين الاعتماد على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والتفاعل البشري، للحفاظ على مهارات التفكير والابتكار.
· تجنب الاعتماد الزائد على هذه الادوات فقد يؤدى هذا الى تدهور مهارات التفكير والكتابة والتحليل.
· قد نواجه فى المستقبل بنصوص وصور وفيديوهات مضللة باستخدام هذه الادوات مما يجعل التدقيق فى المحتوى أمرا ضروريا ولازما .
· المطالبة بوصول التكنولوجيا بشكل عادل ودعم المبادرات التي تسهل استخدام الذكاء الاصطناعي للأشخاص من مختلف الطبقات والمناطق حتى لاتزيد الفجوة الرقمية فيما بينهم.
· التحول السريع نحو اتمتة الاعمال والمهام الحياتية باستخدام هذه الادوات الجديدة للذكاء الاصطناعى قد يقلل الطلب على بعض وظائف المصممين والمطورين ويخلق فجوة فى المهارات التقليدية.
"في النهاية.. الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة للمستخدمين ،وان استعراض تقنيات وادوات الذكاء الاصطناعي الجديدة التى كشف عنها مؤتمر جوجل 2025 يشبه قصة خيالية مليئة بالوعود والإمكانيات، لكنها لم تكتمل بعد. وبينما تقدم جوجل تقنيات تغير قواعد الحياة والعمل والترفيه الا ان المستقبل مليئً بالتحديات التي تتطلب من الجميع سواء شركات، مستخدمين، وحكومات التعاون لبناء مستقبل آمن ومسؤول. واذا كان الذكاء الاصطناعي قوة هائلة الا انه يحتاج إلى الحكمة والرؤية السليمة لضمان أن تكون هذه القصة الخيالية قصة نجاح لتحقيق عالم رقمي آمن ومنصف للجميع ".