كتب : باسل خالد - محمد حلمي
تفاقمت مستويات توتر الموظفين بسبب التسريحات ومعارك العودة إلى العمل من المكتب والمخاوف حول استبدال الذكاء الاصطناعي للوظائف، وكشفت تلك الضغوط عن خلل مزعج في مكان العمل، إذ لا يعرف مديرين كُثر كيف يتعاملون تعاملاً صحيحاً مع مخاوف الصحة النفسية للعاملين.
حسب "مؤسسة عائلة كايزر" (Kaiser Family Foundation)، يعتقد 9 من كل 10 بالغين أميركيين أن العاملين بالبلاد يواجهون أزمة صحة نفسية بينما تتواجد في أماكن العمل عادة إرشادات أساسية للمديرين حول كيفية معالجة مشكلاتٍ مثل قلق العامل واكتئابه، قليلٌ منها يحدد ما على المديرين تجنب قوله. يؤدي ذلك إلى ما يصفه الخبراء بأنه شروع غير مقصود من المديرين في نشر صراعات عقلية في مكان العمل، ورغم حسن النية، يزيد ذلك من توتر العاملين وفي استطلاع رأي أجرته شبكة "فيش باول" (Fishbowl) المهنية، قال أكثر من 70% من الموظفين إنهم لا يرتاحون لمناقشة احتياجات الصحة النفسية وتحدياتها مع مديريهم.
قالت كريستينا مكارثي، المديرة التنفيذية في "وان مايند آت ورك" (One Mind at Work)، وهي منظمة غير هادفة للربح معنية بالصحة النفسية: "المديرون تائهون، من على خط المواجهة هم مديرو الإدارة الوسطى، وهم غير مهيئين في الأساس".
أدت الجائحة لارتفاع كبير في مشكلات الصحة النفسية بين العاملين، وتجاوبت الشركات بزيادة الوعي والاستثمار، ومع تراجع حدة الشعور الراسخ بالوصمة، يتحدث مديرو الشركات حالياً بصدق عن التحديات التي واجهوها، بعد تحفظهم سابقاً. وقال اثنان من ثلاثة رؤساء تنفيذيين إنهم يتحدثون عن صحتهم النفسية في مكان العمل، وفقاً لاستبيان أجرته شركة "هيد سبيس هيلث" (Headspace Health) العام الماضي، فيما كان المعدل السابق في 2020 هو واحد من كل ثلاثة، لكن هذا لا يعني أنهم يفعلون ذلك بشكل صحيح.
الشركات ومديروها يحاولون لسنوات إيجاد النهج المناسب للتعامل مع الصحة النفسية في المكتب. في 2015، ألقى مايك روبنز، أحد مستشاري الشركات، خطاباً على منصة "تيد" بعنوان: "خذ ذاتك كلها إلى العمل"، واقترح أن مفتاح النجاح هو أن نأخذ "كل جوانبنا" إلى الشركة، بما يشمل مخاوفنا وشكوكنا وعدم أماننا. كان خطاب روبنز مبنياً على العمل السابق للباحثة برينيه براون، التي سلطت الضوء على "قوة التعرض" (أي تعرض الإنسان للمواقف المؤلمة والمفرحة على حد سواء).
لكن مع اكتساب مناهج الإدارة في العصر الجديد زخماً، بدأ الموظفون يتذمرون على مدونات أماكن العمل من المديرين الذين يحثونهم على البوح بمكنونات أنفسهم قبل اجتماعات الموازنة، بل أعد أحد المديرين ركناً للمواساة، خلال مكالمات الفريق، حيث يُتوقع من العاملين أن يتحدثوا عن محنهم الأخيرة، مثل وفاة أحد الوالدين.
قالت مكارثي: "المديرون ليسوا معالجين، إنها مسؤولية، ستقلق معظم الشركات إذا نما لعلمها تصرف مديريها على هذا النحو بسبب احتمال وقوع تبعات غير متعمدة".
تتذكر ميلاني نارانجو، نائبة الرئيس للموارد البشرية في منصة "إثينا" (Ethena) للتدريب، عملها مع مدير في بداية الجائحة أرادها أن تتحدث عن أمور تفضل أن تحتفظ بها لنفسها.
قالت نارانجو إن الموظفين يريدون أن يعرفوا أن المديرين معنيون بسلامتهم ونجاحهم، لكن هذا لا يعني قولهم "مرحباً، أعاني من الاكتئاب، أود أن أتحدث عن الأمر وأرى من غيري يعانيه".
يرى جيمس برات، مدير تنفيذي سابق للموارد البشرية الذي عانى من الاضطراب ثنائي القطب، أن من يفعل ذلك من المديرين يشبهون "مصاصي الدماء النفسيين"، فهم يتغذون على آلام الآخرين وقد يتسبب ذلك في أذى هائل للناس.
يقول الخبراء إن التدريب يفيد، وهو منتشر على نطاق أكبر في الوقت الحاضر، لكن نتائجه محدودة. قال بيرني وونغ، كبير مديري الرؤية والقيادة لدى "مايند شير بارتنرز" (Mind Share Partners)، مؤسسة غير هادفة للربح معنية بالصحة النفسية: "يجب ألا يتخطى الأمر سماع المشكلة ثم متابعة الحياة". النصيحة الأفضل من الخبراء لشخص عادي تورط في مشكلات بين زملاء العمل هي: أنصِت وأرشدهم لمصدر المساعدة المناسب.
يحاول أرباب الأعمال التحسن، إذ تجرب شركة "كيه بي إم جي" (KPMG)، عملاقة الضرائب والتدقيق، برنامجاً يتصل فيه المديرون ويختبرون برنامج مساعدة الموظفين الذي تطبقه الشركة، وهو خدمة سرية تصل الموظفين بمصادر الصحة النفسية، وبهذه الطريقة يكتسب المديرون فهماً أفضل لسير العملية عندما يحتاج أحد الموظفين حقاً للمساعدة.
من ضمن المخاوف أن تتضرر الموارد المخصصة للصحة النفسية بسبب حملات خفض التكاليف المتزايدة في مختلف قطاعات الاقتصاد، وقال 25% فقط من الموظفين المشاركين في استبيان "هيد سبيس هيلث" العام الماضي إن شركاتهم تواصل التركيز على البرامج حتى مع انحسار الجائحة، ويرى وونغ أن انحسار الاهتمام بهذه القضية غير حكيم.