محتوى منصات التواصل ..ولحظة الحقيقة

  • بقلم : خالد حسن

    تذكرني أزمة منصات التواصل الاجتماعي العالمية التي نشهدها من مطلع العام الحالي ، وتصاعدت بقوة في الأسبوع الماضي ، مع توقف كامل لخدمات بعض أشهر منصات التواصل الاجتماعي وتوقف جزئي لبعض المنصات الأخرى ، عندما استيقظ العالم من مخاطر التبغ على صحة الإنسان وما يمكن أن يسببه من انتشار كل أنواع مرض السرطان للبشر وتحركت الحكومات لمنع الإعلانات عن السجائر أو الترويج لها وفرض مزيد من الضرائب على الشركات المنتجة للسجائر وذلك للحد من انتشار السجائر لاسيما بعد أن اكتشفت تضليل الشركات المنتجة للسجائر فإن الفلاتر في السجائر لم تحد من مخاطر التبغ في السجائر وأن هذا كذب وتضليل للمستهلكين .

    وبالفعل فإن فيس بوك يعد واحدا من كبرى منصات  التواصل الاجتماعي ، لديها نحو 3 مليارات مستخدم لتطبيقاتها، والذي ضلل كل  من المستخدمين والمستثمرين وقدم معلومات مغلوطة وغير حقيقية عن طبيعة وآليات العمل التي يعتمد عليها وأن تركيزة كان فقط على زيادة عدد مستخدميه على تطبيقاتها " خاصة انستجرام وموقع فيس بوك ، وتطبيقه لسلوكيات كارثية تخترق خصوصية المستخدمين خاصة الأطفال وانتهاك قانون حماية خصوصية الأطفال وذلك لجني مزيد من الأرباح على حساب الإضرار بكل مستخدميه على حساب المحتوى الرقمي .

    فمن التغاضي عن المعلومات المضللة بكل المجالات وحماية المحتوى الخاص بالمجرمين وتجار المخدرات وإثارة النزاعات العرقية والطائفية حول العالم ناهيك عن التأثير السلبي على الحياة السياسية وإضعاف الممارسات الديمقراطية في جميع دول العالم بالإضافة إلى استغلال الأطفال والأمر الذي سيؤثر على سلوكيات وحياة أجيال قادمة من البشر فهي تعمل في الظلام وضد مصلحة المجتمع كل هذا يشكل اتهامات موثقة موجهة لـ فيس بوك ودوره السلبي  في حياة البشر .  

    وكشفت الأبحاث ، التي أجراها فس يوك ، عن 66 % من الأطفال والفتيات المراهقين تعرضوا بالفعل لحملات سلبية وتنمر ومعاناة أثرت على  صحتهم النفسية والعقلية بداية من الغيرة مرورا بكراهية الذات وصولا إلى إدمان الفيس بوك ورغم ذلك فإن المنصة غير مهتمة بتأمين خصوصية الأطفال مقابل الحصول على الإعلانات من وراء تواجدهم على المنصة بل إنه يعمل على جذبهم بمزيد من التغيرات لجذب المشاهدين والمتابعين له بغض النظر عن أعمارهم كما انه لا يمحو أي مشاركات تجارية غير قانونية كما أنهم يتجاوزون قانون حماية الأطفال، والذي لا يسمح بالأطفال تحت سن 12 عاما من الدخول إلى منصات التواصل الاجتماعي،  والدليل على ذلك أهم ما أُعلن مؤخرا ، محوهم لحسابات وصفحات لنحو 600 ألف من الأطفال المتواجدين على الفيس بوك وبالتالي فهم يعلمون بتواجدهم بمنتهى الدفة بل وسمحوا لهم بهذا التواجد من أجل استغلالهم بصورة تجارية.

    ولعل هذا أهم ما كشفت عنه التقارير  الصحفية ، المستندة إلى الآلاف من الوثائق الداخلية التي استعرضتها صحيفة " وول ستريت جورنال" ، والتي طرحتها المهندسة فرانسس هاوجن ، والتي كانت تعمل في قسم مكافحة المعلومات المضللة مجموعة  Civic Integrity في شبكة فيس بوك والتي سبق لها العمل في 4 شركات عالمية للتكنولوجيا منها جوجل ومن ثمة فهى ابنة السيلكون فالي بالولايات المتحدة الأمريكية ، والتي أكدت أن فيس بوك مفلس أخلاقيا وهو يتعمد إخفاء المعلومات وأنه لم يحصل على ثقتنا .

    وكانت المهندسة هاوجن ـ  صاحية الـ 37 عاما والعالمة في مجال البيانات من ولاية أيوا والحاصلة على درجة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر ودرجة الماجستير في الأعمال من جامعة هارفارد  وراء الكشف عن العديد من الوثائق ، خلال مشاركتها مؤخرا  في البرنامج التليفزيوني لمدة 60 دقيقة للحديث عن سبب قرارها الكشف عن بعض أسرار "  Facebook " .

    أكدت هاوجن أنها عندما انضمت إلى الشركة كان الأمر "أسوأ بكثير في Facebook  من أي شيء رأيته من قبل". تشير إحدى الوثائق التي سربتها إلى أن فيس بوك يتخذ إجراءات بشأن 3-5٪ فقط من محتوى الكراهية و0.6% من محتوى العنف والتحريض ، على الرغم من الادعاء بأنه الأفضل في ذلك وشددت أيضًا على أن Facebook يخلق انقسامات في المجتمع، وأن المحتوى الذي يعيش على المنصة يمكن أن يسبب العنف:

    أوضحت ، في جلسة استماع نارية أمام لحنة التحقيقات بالكونجرس الأمريكي  ، عندما نعيش في بيئة معلومات مليئة بالمحتوى الغاضب، البغيض، المستقطب، فإنه يقوض ثقتنا المدنية، ويقوض إيماننا ببعضنا البعض، ويقوض قدرتنا على الرغبة في رعاية بعضنا البعض، نسخة Facebook  الموجودة اليوم تمزق مجتمعاتنا وتسبب العنف العرقي في جميع أنحاء العالم .

    أشارت أن 51 دولارا هى أرباح الفيس بوك من المستخدم الواحد في أمريكا الشمالية وكندا بخلاف أرباحها من الترويج للوجبات الغذائية التي تروج للنحافة ومعالجة فقدان شهية الأكل للأطفال بل إنهم يأخذون بعض المشاركات ويقومون بالترويج لها لأغراض تجارية بحته بصرف النظر عن مصلحة المجتمع وأكدت أن Facebook  أظهر مرارًا وتكرارًا أنه يختار الربح على السلامة .

    كذلك شهدت الشهور الماضية  تسريب بيانات نحو 1.5 مليار مستخدم لمنصة الفيس بوك فإن هذه المنصة باتت تعبر عن أسوأ نموذج لشركات تكنولوجيا المعلومات غير المسئولة وهو إذا كان قد تم بغير معرفة من الفيس بوك فهو يعني تقصيرا في أوجه حماية بيانات المستخدمين للمنصة .

    الخيارات التي اتخذها فيس بوك كانت كارثية لأنها ضللت الناس وأضرت بالأطفال ونشرت رسائل تحض على الكراهية  وذلك مقابل تعظيم أرباحها فقط ، وهذا ما أثبتته الأبحاث التي أجراها الفيس بوك نفسه ، وأنها تؤثر سلبيا على صحة ومستوى التحصيل الدراسي على الأطفال و6 % من الأطفال يعانون من مرض الإدمان على تطبيق انستجرام و 13 % من الأطفال أكدوا أن الفيس بوك وانستجرام أثر عليهم سلبا .

    نؤكد أنه حان الوقت لإجبار الفيس بوك على تغيير سياساتها بصورة كاملة بما بتسق مع سياسة تهدف إلى تعزيز صناعة المحتوى الرقمي الهادف وكذلك منع استغلال جميع مستخدميه بصورة تجارية، خاصة من الأطفال  ، ولابد من وجود شفافية كاملة في آليات عملها وأن نعرف تحديدا ما تقوم به فيس بوك  وديناميكية نظامها خاصة أنه يدعي ويروج أن المشكلة أكبر بكثير من إيجاد حلول مناسبة أو أفضل مما يطبقه الآن ويريد من العالم أن يقتنع أنه ليس في الإمكان أفضل مما كان وأن علينا الاختيار بين حرية التعبير وبين التنازل عن خصوصية المستخدمين خاصة من الأطفال .

    في اعتقادي أن أخطر ما تمارسه فيس بوك بصورة غير قانونية هو ما تقوم به من رقابة ذاتية على مستخدميها فيما تعرضه لهم من محتوى رقمي لكل مستخدم، من خلال التحكم في خوارزميات هذا المحتوى ، بحيث لا يرى المستخدم إلا الآراء التي تتفق مع رأيه فقط دون الاستماع إلى الرأي الآخر الأمر الذي يحض على الكراهية بين المستخدمين ويوسع من هوة الخلاف بينهم كذلك فإن ما تمتلكه الفيس بوك من إمكانيات فنية تسمح لها بالتجسس على مستخدميها وإرسال الإعلانات التي قد يتحدث عنها المستخدم أثناء مكالمته الهاتفية أو حتى الحديث العادي بدون إجراء اتصال هاتفي.

    في النهاية نكرر أنه على الدول من خلال هيئة الأمم المتحدة العمل على تغيير القوانين التي تعمل من خلالها منصات التواصل الاجتماعي العالمية واعادة تنظيمها وفقا لصالح صناعة محتوى رقمي هادف لتنمية المجتمعات وحماية خصوصية المستخدمين مع الأخذ في الاعتبار أن الكثير من شركات التكنولوجيا العالمية ومنصة التواصل الاجتماعي العالمية تدفع مبالغ مالية كبيرة جدا لإيقاف أي تحرك قانوني ضدها من جانب الكونجرس الأمريكي أو الكشف عن طبيعة عملها أو تقيدها ونعتقد أنه قد حانت ساعة الحساب لمنصات التواصل الاجتماعي العالمية خاصة في ظل الاتفاق " المثير " بين النواب الديمقراطيين والجمهوريين بالكونجرس الأمريكي على ضرورة محاسبة الفيس بوك على أخطائه وفرض المزيد من الرقابة على نشاطه .

     

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن