مجلس النواب وغلق الأبواب

  •  بقلم ايمن صلاح

     

    يُعتبر البرلمان فى كل دول العالم هو صوت الشعوب الذى يعلو فى أرجاء البلاد للتدليل على التقدم الديمقراطى لتلك البلاد ولضمان تحقيق المصالح الوطنية للبلاد المستقرة فى دساتير وقوانين الدول، ويعتبر نواب البرلمان الذين تم إنتخابهم من قِبلِ شعوبهم هم المنوط بهم تمثيل الشعب والحفاظ على مصالحه ومقدراته ومواجهة أى إنحرف في الإداء الحكومى أياً كان نوعه ومن ثَمَ تقويمه وتصحيحه، وإذا نظرنا إلى البرلمان المصرى متمثلاً فى مجلس النواب والذى بدأ دور انعقاده الأول فى يناير 2016 نظرة درسٍ وتحليل لتقييم أدائه البرلمانى وأثر ذلك على المجتمع المصرى سواء كان ذلك بالسلب أو الإيجاب سوف نجد الكثير من العوار فى الأداء والنتائج.

     

    وبادىء ذى بدء ... علينا أن نعلم ما هو دور مجلس النواب المصرى طبقاً لما نص عليه الدستور المصرى وأقرته القوانين ذات الصلة، ومن وجهة نظرى فإن دور البرلمان المصرى وخاصة فى هذه الحقبة من الزمان وبعد ثورة شعبية عارمة فى يونيو 2013 كان لابد أن يتعدى النصوص والقوانين الى حركة بناء شامل على كل المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية وهو ما لم يحدث فعلياً على أرض الواقع، وأرى أن كل جهود البناء فى هذا الوطن قد جاء من مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية وأيضا الحكومة المصرية وإن شابها العديد من الأخطاء والتقصير، ولكن كان لغياب دور مجلس النواب عظيم الأثر السلبى على معدلات التقدم والنمو القومى، ولكننى إذا تناسيت وجهة نظرى وعدت الى دور مجلس النواب المنصوص عليه دستورياً وهو بالأساس مراقبة أداء الحكومة وتشريع القوانين سوف نجد أنه حتى هذا الدور لم يقم به مجلس النواب بالقدر الكافى، فإذا علمنا على سبيل المثال لا الحصر أن مجلس النواب منذ بدء إنعقاده فى يناير 2016 حتى وقتنا هذا لم يقدم أى استجواب للحكومة أو وزرائها سوى استجواب واحد ثبُت عند مناقشته عدم جديته وعدم صحة بياناته فتم حفظه، وهذا يعنى أن دور مجلس النواب الرقابى طيلة أربع سنواتٍ تقريباً قد غاب تماماً مما يعطى الحكومة المساحة الشاسعة لفعل أى شىء دون رقيب أو حسيب كما أن ذلك أيضا يعطى البيئة الخصبة لانتشار الفساد الذى كان أحرى بمجلس النواب منعه من الأساس من خلال أدائه الرقابى المنوط به، ولعل هذا العوار النيابى مرجعه الأساسى هو جهل النواب بالأسس القانونية المتبعة بشأن اعداد الاستجوابات حتى تكون مطابقة للاشتراطات البرلمانية التى تحصنها ضد عدم الجدية أو عدم الاكتمال القانونى، وأيضاً عدم المهنية والاحترافية التى يتم بها جمع المعلومات المُعتبرة والصحيحة التى يستطيع بها النواب مواجهة الحكومة ووزرائها باستجوابات قوية كما نرى فى كل برلمانات العالم، ثم إذا انتقلنا الى الدور الآخر للبرلمان وهو تشريع القوانين فإننا لا نستطيع إنكار أن هذا المجلس قد أخرج العديد من القوانين الجديدة خلال فترة انعقاده كما أنه قام بتعديل العديد من القوانين القائمة بما يتناسب مع متغيرات ومتطلبات العصر والمجتمع، إلا أن هذا لا ينفى فى ذات الوقت عدم قدرة المجلس على وضع الأولويات فى خروج تلك القوانين الى النور مما جعل كثيراً من القوانين ذات الأهمية الكبيرة للمجتمع وللمواطن حبيسة الأدراج، وإجمالاً نستطيع القول أن دور مجلس النواب التشريعى قد طغى على دوره الرقابى وحتى دوره التشريعى لم يكن مكتملاً بل كان مبتسراً وقاصراً آخذين فى الاعتبار أن بعضاً ليس بالقليل من القوانين التى تم إقرارها قد صاحبها صخب ومعارضة ولم تلقَ الاجماع الشعبى الواجب.

     

    إذن فشل مجلس النواب فى القيام بدوره الدستورى فشلاً ذريعاً ..... وهذا فى الشق الموضوعى.

     

    ثم نعرج على مستوى آخر من أداء مجلس النواب وهو الشق السياسى الذى يعطى الرمزية فى اقرار الحقوق والمثل والقدوة فى الصورة الديمقراطية ومبادىء الحرية التى يصدرها هذا المجلس المنتخب من الشعب الى الشعب، فعندما نجد أن هذا المجلس يهرول مسرعاً بعد طلب خمسة وتسعين من أعضائه للبت فى تحويل أحد أعضائه (بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع آراء هذا العضو) الى لجنة القيم للنظر فيما بدر منه تجاه بعض المسئولين وانتقاده لأدائهم، فإن ذلك يوحى بأن الحرية منقوصة وأن ابداء الرأى المعارض حتى تحت قبة البرلمان محظور، بل أن رئيس المجلس يقول نصاً "ان الحرية مكفولة بنص الدستور، لكنها ليست طليقة كغيرها من الحقوق، وليس معنى وجودها أن يكون للشخص الحق فى الكلام فى كل شىء بلا حدود، هذه الحرية لها محددات دستورية وقانونية، إن من يشكك فى الاستفتاء والتعديلات الدستورية وفى شرعية المسئولين، ومن يتناول هذا الوطن بالسلب أو القيادة السياسية، فلا مكان له فى مصر عموماً وعليه أن يذهب الى بلدٍ آخر" .... هذا هو نص تعليق رئيس المجلس على تلك القضية المثارة، وفى الحقيقة أنا أوافقه الرأى تماماً ولكن حبذا لو ينفذ هذا الرأى والمبدأ على جميع أعضاء برلمانك يا سيادة الرئيس الموقر، فان كان هذا العضو سوف يُحال لا محالة الى لجنة القيم لتجرأه على بعض المسئولين فما بالنا بالعضو الآخر الذى أهان أغلب مواطنى الشعب المصرى وتعرض لأعراض أمهاتهم وأخواتهم وشنف آذاننا بكل ما لذ وطاب من السباب والشتائم واللعن، أليس هذا بألعن من ذلك! أم أن المسئولين فى نظرك أعظم درجة من المواطنين البسطاء! هل هى عنصرية أم محسوبية! كم من طلب تم رفعه لمعاليكم من السيد النائب العام السابق لرفع الحصانة عن ذلك الشتام اللعان من أجل محاسبته على مخالفاته وجرائمه! كم من شكوى رُفعت اليكم من مؤسسات وشخصيات عامة لرفع الظلم عنهم واقرار حقوقهم! كم من نداء وصل اليكم لتطهير مصر من التلوث السمعى الذى يطالعنا به ذلك العضو المحصن ليل نهار! فهل من مستجيبٍ أو اجابة.

     

    ان مجلس النواب الحالى قد أوصد كل الأبواب أمام أبناء الشعب لفرض العدالة والأمل فى حياة سياسية نظيفة مفعومة بالمساواة واقرار الحقوق ..........



    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن