في سياق جهوده لمتابعة تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية، نظَّم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، اليوم الثلاثاء، ورشة عمل لمناقشة الجهود المبذولة لتنفيذ “الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023-2030)”، بعنوان “القضية السكانية… الواقع والرؤى المستقبلية”، وذلك بحضور طارق توفيق، نائب وزير الصحة والسكان لشؤون السكان، وعدد من الممثلين رفيعي المستوى من الجهات المعنية، ونواب البرلمان المصري، والخبراء في المجالات ذات الصلة.
وتحدث طارق توفيق عن “التوقعات المستقبلية للسكان في مصر ما بين التحديات والفرص حتى عام 2050″، مستعرضًا الإسقاطات السكانية المستقبلية لإجمالي الجمهورية خلال الفترة (2022-2072) والتي تضمنت أرقامًا وإحصاءات ومؤشرات تحلل الوضع السكاني الحالي والمستقبلي لمختلف الفئات العمرية بجمهورية مصر العربية ومدى تطوره.
ولفت في ذلك الصدد إلى أن الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية (2030-2023) تستهدف وصول معدل الإنجاب الكلى إلى 2.1 طفل لكل سيدة بحلول عام 2030، وذلك من خلال صياغة الفروض المختلفة للإنجاب على فترات زمنية عشرية خلال فترة الإسقاط (2022-2072)، ففي حالة الفرض المنخفض سيكون الوصول إلى معدل الإنجاب 2.1 طفل لكل سيدة في عام 2032، وفى حالة الفرض المتوسط سيكون الوصول إلى معدل الإنجاب 2.1 طفل لكل سيدة في عام 2042، أما في حالة الفرض المرتفع فسيكون الوصول إلى معدل الإنجاب 2.1 طفل لكل سيدة في عام 2052، بينما سيظل معدل الإنجاب ثابتًا عند 2.76 طفل لكل سيدة لسنة 2022 (نقطة الارتكاز) حتى عام 2072 في حالة الفرض الثابت.
كما سلط نائب وزير الصحة والسكان لشؤون السكان الضوء على تقديرات السكان طبقًا لفروض الإنجاب خلال الفترة (2022-2072)، مشيرًا إلى أنه في حالة تطبيق الفرض المنخفض سيزداد عدد السكان بنحو46.3 مليون نسمة، أما في حالة تطبيق الفرض المتوسط فسيزداد عدد السكان بنحو 56.2 مليون نسمة، وفي حالة تطبيق الفرض المرتفع فسيزداد عدد السكان بنحو 64.8 مليون نسمة، بينما سيزداد بنحو 100.3 مليون نسمة في حالة تطبيق الفرض الثابت.
ونوه طارق توفيق إلى أنه من المتوقع وفق نتائج الإسقاطات السكانية على أساس الفرض المتوسط ارتفاع نسبة السكان في سن العمل (15-64) فيما يُعرف بالهبة السكانية من 62.1% عام 2022 إلى 66.6% عام 2032، ثم حدوث انخفاض بسيط لتصل هذه النسبة إلى 66.5% عام 2052، ثم إلى 65.3% عام 2072، كما أوضح أنه من المتوقع أن ترتفع نسبة كبار السن 65 سنة فأكثر بما يفوق ثلاث مرات من 5% عام 2022 إلى 18% عام 2072 طبقًا للفرض المتوسط.
وأوضح أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، خلال كلمة ألقتها نيابة عنه هبة عبد المنعم، رئيس محور شؤون المكتب الفني لرئاسة المركز، ورئيس اللجنة العلمية الاستشارية بالمركز، أن القضية السكانية وما يرتبط بها من قضايا تنموية تحظى باهتمام عالمي غير مسبوق في الآونة الأخيرة، لا سيما في ضوء ما تفرضه من ضغوط على الموارد الاقتصادية بفعل الزيادة المستمرة في مستويات الطلب على الغذاء والماء والسكن والطاقة والرعاية الصحية والنقل، وغيرها، الأمر الذي يفرض تحديات عديدة على صانعي السياسات على صعيد توفير الموارد الاقتصادية والخدمات بوتيرة مواكبة للزيادة الكبيرة في أعداد السكان خاصة في البلدان النامية واقتصادات السوق الناشئة.
وأوضحت كلمة رئيس مركز المعلومات أن الدولة المصرية تولي اهتمامًا بالغًا بالقضية السكانية، وتضع تعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها على رأس أولويات صناع القرار، موضحًا أن الحكومة المصرية تستهدف الاستمرار في دفع جهود الحماية الاجتماعية، وتحقيق تكافؤ الفرص، والمساواة بين الجنسين، والاستجابة لمتطلبات النمو والتنمية لكافة قطاعات المجتمع وفئاته، وذلك للعمل على تحسين مستوى المعيشة وبناء المواطن المصري وفق برنامج عمل الحكومة للفترة (2023/2024 – 2029/2030)؛ تحقيقًا لمستهدفات الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023 – 2030).
كما لفتت الكلمة إلى أن ورشة العمل تهتم بإلقاء الضوء على الجهود المبذولة من قِبل وزارة الصحة والسكان، والمجلس القومي للسكان وكافة الجهات المعنية على صعيد تحديث وإطلاق “الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية (2023 – 2030)”.
فيما أكدت هبة عبد المنعم اهتمام المركز بمتابعة تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية والترويج للجهود الحكومية المبذولة في هذا الإطار، لافتةً إلى قيام مركز المعلومات؛ تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية بحصر نحو 90 استراتيجية خلال الفترة من أكتوبر 2023 وحتى مايو 2024، والتواصل مع 61 جهة للحصول على الوثائق الرسمية للاستراتيجيات، واستكمال عناصر المتابعة والتقييم في سياق اهتمام المركز بتطوير المنظومة القومية لمتابعة الاستراتيجيات الوطنية.
علاوةً على الحصول على 52 وثيقة رسمية للاستراتيجيات الوطنية وتوفيرها لبدء تفعيل العمل عليها، إضافةً إلى اعتماد 53 نقطة اتصال للتنسيق مع الجهات المعنية فيما يتعلق بموقف الاستراتيجية الصادرة عن جهاتهم، والعناصر المطلوب استيفائها لتفعيل منظومة المتابعة والتقييم.
وخلال الجلسة الأولى من فعاليات الورشة بعنوان “عرض الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية 2023-2030″، قامت الدكتورة/ هالة عزام، مدير عام البحوث والاتفاقيات الأجنبية بالمجلس القومي للسكان باستعراض الاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023-2030)، مشيرةً إلى أنه تم إعداد الاستراتيجية استنادًا إلى نتائج المسح الصحي 2021، ونتائج تقييم الخطة التنفيذية (2015-2020)، والمبادرات الرئاسية والمبادرات القومية الحالية، وجهود الدولة المصرية في تنفيذ السياسات السكانية، لا سيما المبادرات الرئاسية والقومية، ومشروع تنمية الأسرة المصرية،
كما ألقت مدير عام البحوث والاتفاقيات الأجنبية بالمجلس القومي للسكان الضوء على جهود الدولة المصرية في تنفيذ السياسات السكانية، ووضع التعليم في مصر ودوره في حل القضية السكانية. وعرضت إحصاءات ومؤشرات تحلل الوضع الحالي للسكان في مصر مثل مؤشرات التطور في معدلات الخصوبة، والإنجاب الكلى ومعدل الوفيات بالإضافة إلى بيانات عن الهجرة ومعدل المواليد وعمالة الأطفال وتمكين المرأة والتعليم وغيرها.
ونوهت إلى جهود الدولة المصرية في تنفيذ السياسات السكانية، ووضع التعليم في مصر، ودوره في حل القضية السكانية، فضلًا عن تمكين المرأة. ولفتت إلى تطور معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة بين النساء المتزوجات حاليا وتتراوح أعمارهن بين 15 و49 عامًا وذلك بين عامي 2014 و2021، حيث ارتفع استخدام النساء لأي وسيلة لتنظيم الأسرة ليصل إلى 66.4% عام 2021، مقارنةً بنحو 58.5% عام 2014، وأكدت هالة عزام على وجود إرادة سياسية داعمة للقضية السكانية في الوقت الراهن.
وفيما يخص مدى إمكانية تشريع قوانين صارمة لتنظيم الزيادة السكانية في مصر اقتداءً بتجارب الدول، نوه على مهران، رئيس لجنة الصحة والسكان بمجلس الشيوخ، خلال هذه الجلسة، إلى تجارب الدول التي لجأت إلى القوانين لتحديد عدد الأطفال بكل أسرة، مشيرًا على سبيل المثال إلى دول؛ فيتنام وسنغافورة والصين، ومؤكدًا أن الكثير من الدول لجأت إلى اتباع سياسات سكانية للسيطرة على المشكلة السكانية والتحول الديموجرافي وتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية خلال متوسط زمني يقدر بثلاثة عقود.
كما أوضح أن سياسات الدول تجاه المشكلة السكانية انقسمت إلى ثلاث فئات، وهي، تبني سياسات سكانية إجبارية كما في “الصين”، تبني سياسات تنموية فقط وعدم تبني أي سياسة سكانية لتخفيض معدل الخصوبة كما في “اليابان”، وتبني سياسات سكانية طوعية والتي تشمل الجمع بين التنمية الاقتصادية والسياسات السكانية الفعَّالة كما في “كوريا – سنغافورة – تايوان – تايلاند – إندونيسيا”.
فيما تحدث عمرو حسن، مستشار وزير الصحة والسكان لشؤون السكان وتنمية الأسرة، عن التحركات المستقبلية لكيفية التعامل مع القضية السكانية في مصر، وكيفية تنفيذ برنامج سكاني يهدف إلى تحقيـــق التوازن بين معـــدلات النمو الســـكاني والمـــوارد المتاحـــة بالدولة في ضوء تحديث الاستراتيجية، مشددًا على أهمية عمليات الحوكمة والمتابعة والتقييم والشفافية في التعامل مع ملف السكان والتنمية نظرًا لأهميته، بجانب أهمية دور التعليم والإعلام والخطاب الديني وضرورة تقديم حوافز إيجابية للتوعية بخطورة الزيادة السكانية.
وأشار إلى أن القضية السكانية هي قضية مهمة وجوهرية وتمثل مسؤولية مشتركة للجميع ولا بد من التعامل معها في إطار مؤسسي واضح، لافتًا إلى أن مصر يمكنها النزول من معدل إحلال حالي يبلغ 2.85% إلى معدل إحلال يبلغ 2.1% إذا استطاعت التغلب على مشكلة الحمل غير المرغوب فيه، حيث أن حوالي 20% من سيدات مصر يحملن وهن غير راغبات في ذلك، مما يتطلب ضبط عملية تنظيم الأسرة، وخطابًا دينيا وتوعية إعلامية.
واستعرضت سحر يوسف، مدير عام التخطيط بالمجلس القومي للسكان، خلال إدارتها للجلسة الثانية بعنوان “الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية (2023 – 2030)، مسار نحو مستقبل أفضل”، الخطة التنفيذية الوطنية للسكان والتنمية (2024 -2025)، موضحةً أن الخطة تعد خارطة طريق مفصلة وشاملة تحدد الإجراءات والموارد والجداول الزمنية لتحقيق الأهداف المخططة، حيث تقدم الخطة وصفًا واضحًا وموجزًا حول تحويل الأهداف الإستراتيجية إلى إجراءات تنفيذية مما يضمن تنسيق جميع الأنشطة لتحقيق الأهداف المرجوة بنجاح.
وأشارت في هذا الإطار إلى أن تلك الخطة التنفيذية تتضمن تفاصيل حول الموارد المطلوبة، بما في ذلك الأفراد والمعدات والموارد المالية، بالإضافة إلى خطوات عمل محددة وجداول زمنية لكل نشاط، كما أنها تحدد العقبات أو المخاطر المحتملة التي قد تنشأ أثناء عملية التنفيذ، وتقدم خطط طوارئ لمواجهة هذه التحديات.
هذا، وتطرق حسين عبد العزيز حلمي، أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، إلى السياسات والرؤى المقترحة لتحقيق المستهدفات السكانية في ظل تحديث الاستراتيجية، مسلطًا الضوء على منهجية إعداد الخطة التنفيذية ومحاورها والتي تضمنت (محور ضمان الحقوق الإنجابية – محور الاستثمار في الثروة البشرية – محور تدعيم دور المرأة – محور التعليم والتعلم – محور الاتصال والإعلام من أجل التنمية – محور الحوكمة والمتابعة والتقييم)، وأخيرًا مستهدفات الخطة التنفيذية.