ماراثون الذكاء الاصطناعي والبشر

  • نبضات

     

    بقلم : خالد حسن

    منذ أن أطلق أنطونيو جوتيريش الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة تحذيراته بشأن مخاطر الذكاء الاصطناعي والمخاطر الآنية لمنظوماته ومنها مسألة الشائعات وخطرها على الديمقراطيات مؤكدا أنه سيشكل مجلسا استشاريا علميا مع خبراء من كل مؤسسات الأمم المتحدة، ولاسيما الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللا سلكية ومنظمة اليونسكو، للنظر في القضية بشكل عاجل الأمر الذي خلق حالة من النقاش الواسعة حول تأثير الذكاء الاصطناعي على مستقبل البشرية .

    وتزايدت مطالبات ودعوات الخبراء والمتخصصين للمجتمع الدولي بالتعامل بجدية  مع تحذيرات العلماء من التهديد المحتمل للذكاء الاصطناعي، الذي يقولون إنه لا يقل خطورة عن الحروب النووية. ونبه إلى استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لنشر المعلومات المضللة والكراهية.

    وفى الحقيقة ينقسم قادة الذكاء الاصطناعي حول مخاطره، حيث يقول المعسكر الأول الذي يضم بعضاً من كبار المسئولين التنفيذيين ممن يقومون ببناء أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، إن ابتكاراته يمكن أن تؤدي إلى كارثة على حين ان المعسكر الآخر، يقول العلماء إن القلق يجب أن يركز في المقام الأول على كيفية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي وكيف يمكن أن تسبب ضرراً في حياتنا اليومية.

    ومؤخرا كشفت دراسة جديدة ، أجراها فريق من الباحثين في جامعة براون والعديد من الجامعات الصينية ، أن روبوتات الدردشة ذات الذكاء الاصطناعي، مثل "  ChatGPT  " من شركة "  OpenAI" ، يمكنها تشغيل شركة برمجيات بطريقة سريعة وفعالة من حيث التكلفة مع الحد الأدنى من التدخل البشري، وجاءت هذه النتائج بعد أن نشر الباحثون دراسة أخرى تمكن فيها عملاء الذكاء الاصطناعي المدعومون بنماذج لغوية كبيرة من إدارة مدينة افتراضية بمفردهم.

    ونجح الباحثون فى إنشاء شركة افتراضية لتطوير البرمجيات اسمها "  ChatDev" ، استنادًا إلى نموذج الشلال، وهو نهج متسلسل لإنشاء البرامج، تم تقسيم الشركة إلى أربع مراحل بالترتيب الزمني: التصميم، والترميز، والاختبار، والتوثيق وحدد الباحثون أدوارا محددة لروبوتات الذكاء الاصطناعي من خلال دعم كل واحدة منها بـ “التفاصيل الحيوية” التي تصف “المهمة والأدوار المحددة، وبروتوكولات الاتصال، ومعايير الإنهاء، والقيود”.

    ووفقا للتجربة فإنها تستهدف معرفة ما إذا كانت روبوتات الذكاء الاصطناعي المدعومة بنسخة من نموذج" ChatGPT 3.5  " يمكنها إكمال عملية تطوير البرمجيات دون تدريب مسبق وجدت الدراسة أن الشركة المدعومة بالذكاء الاصطناعي كانت قادرة على إكمال عملية تطوير البرمجيات الكاملة في أقل من 7 دقائق بتكلفة أقل من دولار واحد، وكل ذلك مع تحديد “نقاط الضعف المحتملة” واستكشاف أخطائها وإصلاحها من خلال قدرات “الذاكرة” و”التأمل الذاتي”، كما أن حوالي 86.66% من أنظمة البرمجيات التي تم إنشاؤها “تم تنفيذها بشكل لا تشوبه شائبة.

    وفى نفس هذا الإطار وفي جلسة عصف ذهني ماراثونية حول كيفية قيام المشرعين بتنظيم الذكاء ‏الاصطناعي  اجتمع ـ  مؤخرا ـ  عدد من مسئولي ورؤساء الشركات التكنولوجية الكبرى في الولايات ‏المتحدة مع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي في مبنى الكابيتول وكان من ضمن الحضور إيلون ماسك، ومارك زوكربيرج، وبيل جيتس، وسام ألتمان ‏وشخصيات تكنولوجية أخرى.‏

    ونقلت السيناتور سينثيا ‏لوميس ـ النائبة الجمهورية عن ولاية وايومنغ، عن ماسك تحذيره لأعضاء مجلس الشيوخ من أن الذكاء الاصطناعي ‏يشكل "خطرًا حضاريًا" على الحكومات والمجتمعات.

    وقالت إن أعضاء آخرين في اللجنة تحدثوا عن الحاجة إلى إصلاح الهجرة للسماح ‏لمزيد من العاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة بالهجرة للولايات المتحدة، والحاجة إلى ‏إصلاحات المعايير في المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا.‏

    وأيد إيلون ماسك ـ مالك منصة " إكس " فكرة إنشاء وكالة فيدرالية للإشراف على الذكاء الاصطناعي، وكرر ‏تحذيره من أن الذكاء الاصطناعي يشكل خطرا هائلا مشيرا إلى أن "عواقب حدوث خطأ بسبب الذكاء الاصطناعي ستكون وخيمة، لذا يتعين ‏علينا أن نكون استباقيين بدلا من أن نكون رد فعل مؤكدا السؤال يتعلق حقًا بالمخاطر الحضارية. إنه ليس مثل.. مجموعة من ‏البشر مقابل مجموعة أخرى. بل إنه شيء من المحتمل أن يكون خطيرًا على جميع ‏البشر في كل مكان".‏

     من جهته  تحدث سام ألتمان ـ الرئيس التنفيذي لشركة " ‏OpenAI " ، المطورة لـ ‏ChatGPT، عن أهمية هذه الخطوة وقال هذه لحظة مهمة وعاجلة وغير مسبوقة في بعض ‏الجوانب". "وأرى أننا حقا بحاجة إلى أن تقود الحكومة بتنظيم تطوير الذكاء الاصطناعي .‏

    وكان داريو أمودي ـ الرئيس التنفيذي لشركة تطوير الذكاء الاصطناعي "أنثروبيك" (Anthropic)، ضمن المجموعة التي تحذر من الخطر الوجودي، وشهد أمام الكونجرس هذا الصيف بأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكل مثل هذا الخطر على البشرية.

    وبالطبع فإن السؤال عن تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي المدعوم بالبرمجيات الممنهحة " الخورزميات " على مستقبل البشرية ليس بالجديد فمنذ عام 2018 وهناك أصوات  من خبراء التكنولوجيا والمطورين والمبتكرين ورواد الأعمال وصناع السياسة والباحثين والناشطين ، من داخل الولايات المتحدة الأمريكية ، وخلصت آراء هؤلاء فى استطلاع للرأي ،  توقّع أن تضاعف شبكة الذكاء الصناعي الفعالية البشرية ولكنّها في الوقت نفسه، ستهدّد الذاتية والقوة والقدرات البشرية. وتحدّث الخبراء عن الاحتمالات الكبيرة، والمتنوعة كإمكانية مساواة الكمبيوتر أو حتى تفوقه على الذكاء وكذلك على الإمكانات البشرية في إتمام مهام أساسية كاتخاذ القرارات المعقّدة، والمنطق والتعلّم، والتحليلات الصعبة والتعرّف إلى الأنماط، ، والتعرّف إلى الكلام وترجمة اللغات. كما شدّدوا على أنّ الأنظمة «الذكية» في المجتمعات، والمركبات والمباني والمصانع، والأعمال الزراعية والتجارية، ستوفّر الوقت والأموال والأرواح، وستتيح الفرص للأفراد للاستمتاع بمستقبل ذي طابع شخصي أكثر.

    ركّز الكثيرون في ملاحظاتهم المتفائلة على العناية الصحية والتطبيقات الكثيرة المحتملة للذكاء الصناعي في مجال تشخيص الأمراض وعلاج المرضى أو مساعدة المواطنين الطاعنين في السن على التنعّم بحياة أفضل وأصحّ كما عبّروا، عن حماستهم لدور الذكاء الصناعي في وضع برامج شاملة للصحة العامّة مبنية على كميات هائلة من البيانات كما توقّع عدد من هؤلاء الخبراء أنّ يساعد الذكاء الصناعي في إحداث تغيّرات طال انتظارها في أنظمة التعليم الرسمي وغير الرسمي.

    إلّا أنّ معظم الخبراء المشاركين، غير المتفائلين، عبّروا عن مخاوفهم من تأثير هذه الأدوات على العوامل الأساسية للطبيعة البشرية على المدى البعيد  متوقعين زيادة اعتماد البشر على الشبكات المدفوعة بالآلات وتضاؤل قدرتهم على التفكير لخدمة مصالحهم بجانب "سوء استخدام البيانات " ويتمثل في استخدام البيانات والمراقبة في أنظمة معقّدة مصممة لجني الأرباح أو لممارسة السلطة. ويقع معظم أدوات الذكاء الصناعي أو سيقع في أيدي الشركات الهادفة إلى الربح أو الحكومات المتعطشة إلى السلط ناهيك عن خسارة الكثير من البشر لوظائف أو على الاقل إحلال الآلة محلهم إذا لم يستطعيوا تنمية مهاراتهم الرقمية بصورة كبيرة .

    في النهاية وعلى الرغم من التباين الكبير في الأراء لتأثير الذكاء الاصطناعي على البشر  إلا أن الجميع يؤكد أنّ الاعتماد المتزايد للبشر على الذكاء الاصطناعي والأنظمة المرتبطة به لن يسير على ما يرام إلاّ في حال ما تمّت مراقبة هندسة وتوزيع وتحديث هذه الأدوات والمنصات والشبكات عن قرب .

    &

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن