السيرة المحمدية .. لكل مكان وزمان.

  •  

           نبضات

       بقلم : خالد حسن

     

    " لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " ... صدق الله العظيم

     

    كل عام وانتم بخير ..

    أجمع علماء أهل السنة والجماعة أن الاحتفال بيوم مولد خير الهدي سيدنا محمد ـ الرسول الأمين ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر مشروع ، يدور بين الاستحباب والجواز، وأنه تذكير بأهم حدث في تاريخ الأمة، وهو ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه واقع من التذكير الذي أمرنا به جملة، كما قال تعالى "  وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" .

    فمع احتفالنا ، هذا الأسبوع ، بمولد خير بنى البشر سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفى ظل عصر العولمة والإنترنت الذي نعيشه جميعا ، خاصة أبناءنا ، أضحى الكثير من القيم الدينية والأخلاقية في مهب الريح، ولم يعد الأبناء يعلمون الكثير من دينهم أو عن رسولهم وتاريخيهم حتى وصل الأمر الى عدم معرفتهم بالنشيد الوطنى لبلادهم !

     

    ويؤكد العلماء أن سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين، كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم .

     

    وبالطبع فإننا إذا كنا نتحدث عن أهمية عصر المعلومات وما أتاحه لنا من جعل كل كنوز المعرفة بين أيدينا وفى أى وقت وأى مكان ، عبر شبكة الإنترنت ، إلا أنه لأسباب ، نعلم بعضها ونجهل الكثير منها ، فإن استفادتنا الحقيقية نحن العرب من ثورة المعلوماتية يبدو أنها ما زالت محدودة بدرجة كبيرة وتنحصر فقط فى الكثير من أمور الترفيه والتسلية وتضيع الوقت خاصة وأن السيرة المحمدية تزخر بالعديد من القصص التي يمكن الاقتداء بها في كل أمر في الحياة، وهي تصلح لكل زمان ومكان .

     

     ومع تسليمنا بأن المجتمعات المتدينة والمحافظة ، على غرار غالبية دول منطقة الشرق الأوسط ، تتميز بحساسية مفرطة لديها تجاه كل ما يمكن أن يمس قيمها وأعرافها وتقاليدها، أو بتعبير آخر تجاه "مكونها الثقافي والدينى " إلا أن التاريخ يؤكد أننا كثيرا ما كنا نستوعب كل جديد ، والذى كان يأتى مع الغزاة أو الطامعين فى كنوز المنطقة ، ونعيد تشكيله وإنتاجه حسب ما يتوافق مع مساراتنا الحياتية بحيث ينسجم فيما بعد مع القيد والأعراف والعادات الاجتماعية السائدة .

     

    ومع بدايات القرن العشرين برز لأول مرة في تاريخ العالم الإسلامى ما يمكن أن يطلق عليه بحق " إشكالية الغزو الثقافي" وحدوث الفجوة التقدمية مع الدول الغربية والتى اشتدت وتيرتها في ظل ما يسمى بثورة المعلومات التي شهدتها الفترة الأخيرة من القرن الميلادى وهنا بدأت تتزايد الضغوط على المواطن العربى ، لاسيما من مستخدمى التكنولوجيا الحديثة والانترنت من الشباب والاطفال، لتغيب الهوية الفكرية والدينية ولم يعد أبناؤنا يعرفون الكثير عن المبادئ الحنيفية للدين وكيفية الاقتداء برسولنا " صلى الله عليه وسلم " فى كل نواحى حياتنا .

     

    وفى ظل حديثا عن الاحتفال بمولد النبى محمد صلى الله عليه وسلم نجد أنه من الطبيعي ، بل من الواجب علينا أن نغرس في أبنائنا منذ الطفولة حب الله سبحانه ونقرنه بحب النبي صلى الله عليه وسلم ليشب الطفل على سيرته العطره وسنته الحسنة لتكون حصنه الحصين وسراجه المنير مع الحرص على بيان شخصية المصطفى صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى " إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " وأنه القدوة والنموذج والمثال لكل من أراد النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة .

     

    كذلك فى احتفالنا بمولد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه لا تخفى علينا الحاجة الماسة اليوم إلى التذكير بالسيرة النبوية والهدي النبوي وكل ما يتعلق بالإسلام والمسلمين وآدابهم، في عصر شبكات التواصل الاجتماعي العالمية والسويشال ميديا ، وما تحمله في طياتها من سهام غادرة لإبعاد أمتنا عن دينها .

     

    فما أحوجنا جميعا إلى التأسي بأخلاق نبينا صلى الله عليه وسلم، فقد كانت حياته صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحق أعظم حياة عرفتها الإنسانية تؤسس لبناء مجتمع سوي ومستقر

     

    " هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ".

    لق نبوي كريم، وهو دُرَّة السجايا والأخلاق، ويزيد صاحبه عزاً كما قال صلى الله عليه وسلم" وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً " اذ أقام النبي صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الأول على حُسن ومكارم الأخلاق، والتي منها التسامح والعفو، والحلم والصبر، وترك الغضب والانتصار للنفس، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له "يا عُقبة  صِلْ مَن قطعك، وأعطِ مَن حرمَك، واعفُ عمَّنْ ظلمَك " .


    كذلك لابد من أن نجيب لأبنائنا على سؤال لماذا يجب علينا أن نحب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ونصل إلى عقولهم بإقناعهم بأن كل عاقل حكيم صالح مؤمن ذكي يجب أن يحب النبي لأنه رسول البشرية الذي تسبب في هداية العالمين إلى الهدى والحق والنور والإيمان بالله سبحانه وتعالى مع التأكيد على فضائله صلى الله عليه وسلم ومكانته عند ربه سبحانه ومكانته بين الأنبياء وفضله يوم القيامة ومكانة شفاعته ومقامه في الجنة.

    من المهم أيضا التأكيد على بيان معنى الإتباع لسنته بأسلوب مبسط وهذه بعض وسائل ترسيخ حب النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس أبنائنا  " معجزاته صلى الله عليه وسلم ، حكاية أخلاقه العظيمة ونصرته للمظلومين وعطفه على الفقراء  ،ووصيته باليتيم " ورحمته بجمبع الخلائق والعفو عند المقدرة والوفاء بالوعود وأنه هو النبى الوحيد الذي ادخر دعوته المستجابة ليوم القيامة كي يشفع بها لأمته كما أنه من المهم فعل الوالدين العملي وطريقتهم التطبيقية في الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في سلوكهم ، وتصرفاتهم ، وأفكارهم والحرص على سنته فهي مؤثر من أكبر مؤثرات تربية الأبناء على ذلك .

     

    فالنبي كان رحمة مهداة للعالمين، ودائما كان خير معلم، وخير نموذج للرحمة، وأن الاقتداء بالنبي كان بتطبيق عملي على أرض الواقع، وليس قصصا يمكن قراءتها على أذان المستمعين، ولابد أن تكون الهدف من مواقف النبي التي مر بها، أن تكون بمثابة نموذج الاقتداء به في مناحي الحياة .

     

    اللهم صلى وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين أشرف خلقك نبيك الكريم سيدنا محمد كما تحب أنت أن تصلي عليه .
    وصدق أمير الشعراء أحمد شوقى حين قال فى قصيدة " وُلِدَ الهُدى "...

     

    وُلِدَ الهُدى فَالكائِناتُ ضِياءُ ..... وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
    الروحُ وَالمَلَأُ المَلائِكُ حَولَهُ ...... لِلدينِ وَالدُنيا بِهِ بُشَراءُ
    وَالعَرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي ..... وَالمُنتَهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ
    وَحَديقَةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا ...... بِالتُرجُمانِ شَذِيَّةٌ غَنّاءُ
    وَالوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ ...... وَاللَوحُ وَالقَلَمُ البَديعُ رُواءُ
    نُظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ ...... في اللَوحِ وَاسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ
    اسمُ الجَلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ ...... أَلِفٌ هُنالِكَ وَاسمُ طَهَ الباءُ
    يا خَيرَ مَن جاءَ الوُجودَ تَحِيَّةً ..... مِن مُرسَلينَ إِلى الهُدى بِكَ جاؤوا
    بَيتُ النَبِيّينَ الَّذي لا يَلتَقي  ......  إِلّا الحَنائِفُ فيهِ وَالحُنَفاءُ

    فَـإِذا سَـخَوتَ بَلَغتَ بِالجودِ المَدى ..... وَفَـعَـلـتَ مـا لا تَـفعَلُ الأَنواءُ

    وَإِذا عَـفَـوتَ فَـقـادِراً وَمُـقَدَّراً ..... لا يَـسـتَـهـينُ بِعَفوِكَ الجُهَلاءُ

    وَإِذا رَحِــمـتَ فَـأَنـتَ أُمٌّ أَو أَبٌ ..... هَـذانِ فـى الـدُنيا هُما الرُحَماءُ

    وَإِذا غَـضِـبـتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَةٌ ..... فـى الـحَـقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ

    وَإِذا رَضـيتَ فَـذاكَ فى مَرضاتِهِ ..... وَرِضـى الـكَـثـيرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ

    وَإِذا خَـطَـبـتَ فَـلِـلمَنابِرِ هِزَّةٌ  .....  تَـعـرو الـنَـدِيَّ وَلِـلقُلوبِ بُكاءُ.

    &

     

    حمّل تطبيق Alamrakamy| عالم رقمي الآن