بعد الانتشار المفرط لمرض كوفيد-19، وامتداد تبعاته على مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى جانب الصحية، يرى محللون أننا مقبلون على عالم جديد لا يشبه ما درجنا عليه في مرحلة ما قبل الجائحة.
وطرحت الكاتبة خلود العميان، رئيسة تحرير مجلة فوربس الشرق الأوسط، تساؤلًا شغل بال الباحثين ودار في عقول كثيرين، مفاده؛ هل يتجه العالم نحو نظام عالمي جديد؟
ورأت العميان في مقال نشرته المجلة أن جائحة كوفيد-19 كشفت لنا كثيرًا من نقاط الضعف في النظام العالمي. وعلى الرغم من خبراتنا المتراكمة في إدارة الأزمات، إلا أن هذا الفيروس عزلنا جميعًا في بيوتنا. وأننا نقف أمام حقبة جديدة ستشكل علامة فارقة يذكرها التاريخ.
اختلاف موازين القوى العالمية
وقالت العميان «سيكون كل شيء مختلفًا؛ لن أتحدث عن المخاوف التي يثيرها الجميع عن الانكماش الاقتصادي والركود المرتقب الذي سيضرب صناعات عديدة، وعن آثار أزمة دقت أبوابنا جميعًا في العالم كله، مضاهية مخاطر عانى منها الجميع في العام 2008، لكني في الواقع أريد الإشارة إلى أننا نشهد إعادة هيكلة للنظام العالمي من حيث اختلاف موازين القوى العالمية، إذ ستميل الكفة نحو الصين ودول آسيا التي ستتعافى من الأزمة قبل الولايات المتحدة.»
وأضافت «سنشهد توجهًا عالميًا نحو ظهور بنية تحتية إنتاجية عالية الأتمتة، ستعمل على توفير الطاقة وهو ما سيؤدي إلى تخفيض تكلفة المنتج وتحسين جودته. ومن خلال الحفاظ على صحة الإنسان عبر تقليل مدة مكوثه في المصانع في حال تعرض العالم لأي وباء آخر محتمل، سيستمر العمل من دون توقف، ما سيحول دون ضرب الاقتصاد مجددًا.»
وتابعت إن عالم ما بعد كوفيد-19، سيشهد «زيادة الثقة في قطاع التقنية والثقة بالأداء التقني والدفع الإلكتروني مع فرض التغيير على سلوكيات المستهلك والتخلي عن العادات التقليدية القديمة، وخلق توجهات جديدة في المهن والتخلي عن بعضها، ما سيؤدي إلى اندثار كثير من الوظائف، في عالم سيكون متحررًا من المكاتب لصالح التوجه بقوة نحو العمل من البيت.»
ونصحت العميان أن تتوجه حكومات المنطقة فورًا إلى أتمتة الخدمات الحكومية كافة، والاستفادة من تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، في تطوير الحكومة الإلكترونية في جميع الدوائر والمحاكم والهجرة والجوازات، وكثير من المؤسسات التي لم تتأثر بالأزمة وواصلت العمل عن بعد.
وأشارت العميان إلى أن إقبال رجال الأعمال على السفر سيتناقص، مع توفر وسائل الاجتماعات عن بعد. وسيتزايد توجه الأثرياء نحو الطيران الخاص، بدلًا من حجوزات الدرجة الأولى.
وذكرت العميان إن «إنفاق الحكومات وكبار رجال الأعمال والشركات سيزداد على ضخ كثير من الاستثمارات في القطاع الصحي والمنتجات الصحية، بعد انكشاف ثغرات تعرض لها العالم أمام فيروس كورونا. وستظهر أيضًا، شركات ناشئة في التقنيات والتطبيقات الإبداعية، من شأنها تسهيل حياة الجميع في قطاعات جديدة لم تكن متوفرة في السابق.»
وأشارت العميان إلى ارتفاع معدل ثقة مواطني حكومات المنطقة العربية، لا سيما في الدول التي اتخذت إجراءات دفاعية صارمة للسيطرة على الوباء، مع الحرص على أمان المواطن والدور الذي أدته البنوك المركزية بضخ الأموال في البنوك، وكثير من الإعفاءات غير المسبوقة حتى في الأزمات الماضية.
وقالت العميان إن «الأزمة أظهرت جانبًا مشرقًا من الحياة، ربما كنا منشغلين عنه، إذ أدت الظروف الصعبة التي يمر بها المجتمع الدولي، إلى بث روح التعاطف العالمي، والوقوف معًا في صف واحد. وتزايدت أيضًا، المبادرات الإنسانية والمساعدات الخيرية في المجتمع، وتبرع عديد من أثرياء العالم بملايين الدولارات لإنقاذ الشعوب.»
عودة الحياة إلى كوكب الأرض بعد التأثير الإيجابي الذي أحدثه هذا الوباء على بيئتنا، إذ رصدت كل من وكالة الإدارة الأمريكية للملاحة الجوية والفضاء (ناسا) ووكالة الفضاء الأوروبية، انخفاضًا في ثاني أكسيد النيتروجين في أجزاء من الصين وإيطاليا في مارس/آذار 2020. بينما يتوقع مركز البحوث المناخية الدولية في أوسلو انخفاضًا بنسبة 1.2% في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العام الحالي، بالاعتماد على توقعات الناتج المحلي الإجمالي العالمي الصادرة من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.